خالد عمر بن ققه
الأزمة اليمنية الراهنة مُتشعّبة، ولها أبعادها الداخلية والإقليمية والدولية، وهى نتاج مُشّوه لما أرادته حركة التغيير ـ من الشباب خاصة ـ حين قامت بانتفاضتها ضد الرئيس على عبد الله صالح، متأثرة بالأجواء العامة التى عصفت ببعض الدول العربية تحت اسم وهمى هو «الربيع العربي»
ولن نعود هنا إلى خلفيات التدخل الخارجى سواء للمساعدة فى إيجاد الحل أو لإشعال الفتنة وتأزيم الوضع، لأن ما وصلت إليه اليمن اليوم تتقاطع فيه المصالح، وتتداخل فيه الرؤى، وتتقطع فيه أواصر القرابة اعتمادا على تقسيم ـ أصبح وشيكا ـ للجغرافيا، وهو الهدف الذى يسعى إليه الحراك الجنوبى علانية، وتدعمه فى ذلك قوى داخلية وخارجية.
من ناحية أخرى فإن الحالة اليمنية الراهنة هى نتاج الإرهاب العام، الذى يجتاح المنطقة، ويحارب دوليا ـ طائرات أمريكية بدون طيار مثلا ـ ولكن التدخل الدولى فى اليمن لمحاربة القاعدة، كان يرى التقدم المتواصل للحوثيين ـ أنصار الله ـ ومع ذلك غض الطرف، حتى بدا فعله ذاك مباركة للحوثيين، وهكذا تمكنوا من الاستيلاء على السلطة، ومن غير الواضح إلى الآن إن كانت استقالة الرئيس عبد ربه منصور هادى وحكومته، الهدف منها حماية الدولة اليمنية أم تسليم السلطة للحوثيين!.
مهما يكن فإن الوضع اليمنى الراهن يشى بتقسيم وشيك ـ معلن كما ذكرنا سابقا ـ لن تعود فيه اليمن إلى مرحلة ما قبل الوحدة، أى دولة فى الجنوب وأخرى فى الشمال، وإنما تصير إلى ما تمَّ التأسيس له خلال المرحلة القريبة الماضية، وهو: تقسيم اليمن إلى ستة أقاليم، وهذا فى حقيقته يمثل الطرح الغربى لتوفير الأمان فى الدول العربية، وهو ما تؤكده الصيغ المطروحة فى الدول العربية التى تواجه أزمة حاليا، فمثلا فى سوريا يتم إيجاد حلول أمنية ومعيشية على أساس مناطقى بدعم دولي، وبموافقة النظام السورى لعجزه عن المواجهة، وبتأييد من المعارضة ـ بما فيها الإسلامية ـ لفشلها فى اسقاط النظام، ويطبق فى ليبيا بجعل سلطة طرابلس العاصمة فى مواجة ثوار بنغازي، والمناطق البترولية تشتعل وتتطلب حماية دولية، ومناطق أخرى مثل الزنتان تطالب بحقها من منطلق الشرعية الثورية .. إلخ.
هناك استعداد داخل الدول العربية للتقسيم حتى لو أدى ذلك لإنهاء الوجود، وقد عشنا خلال السنوات الماضية مرارة التقسيم والصراع والاقتتال فى العراق، ثم فتنة جعلت العراقيين غرباء فى أوطانهم بعد ظهور داعش وانتصاراتها المفاجئة، وعشناها أيضا فى السودان بانفصال الجنوب، وأصبحت واقعا فى الصومال لا نذكره اليوم، لأن قضيته أصبحت لدى العرب نسيا منسيًّا، بل إننا وفى إطار مساحة ضيقة لم تحقق استقلالها النهائى بعد تفرقت بيننا السبل، وتقسمت الأرض شبه المُحرِّرة فى فلسطين إلى دولتين، هما: »دولة رام الله« بقيادة السلطة الوطنية مختصرة فى فتح، و«دولة غزة« بقيادة حماس، ولا ندرى أين ستؤول الأمور فى المستقبل المنظور.
أليست كل هذه الأشكال من التقسيم فى الدول العربية ـ السابقة الذكر ـ كاشفة عن استعداد لتجزئة الدولة الوطنية وتفتيتها، سوا أكان بأيدينا أوبمخططات الآخرين؟.. نعم هى كاشفة لكنها على صعيد الشعور الجمعى العربى لم تعد مخيفة على النحو الذى كانت عليه فى السابق، تماما مثلما هو حديثنا اليوم عن الدماء والقتلى، فمن حالات إرهابية معزولة إلى فعل إجرامى عام أشد بأسا وضراوة من محاربة الأعداء، ضحايانا فيه فاقت من الناحية العددية شهداء فى كل حروبنا مع العدو الإسرائيلي.. فلو جمعنا أعداد ضحايا الإرهاب الدولى والإرهاب المحلى فى كل من الجزائر ـ لمدة 10 سنوات ـ والعراق ـ لمدة 12 سنة، وسوريا ــ لمدة 4 سنوات، واليمن ـ لمدة 4 سنوات، وليبيا ـ لمدة 4 سنوات، وتونس ـ لمدة 4 سنوات، ومصرـ لمدة 4 سنوات، لوجدنا أن مجموع عمر الإرهاب فى دولنا تجاورز الأربعة عقود، وأن شهداءنا بالملايين، وليست هناك أمة معاصرة لنا تعانى مثلنا.
والقابلية للتقسيم فى الدول العربية تحوّلت مع السنوات إلى ثقافة عامة، بل إلى أطروحات ومشاريع يصر عليها سياسيون كٌثْر، ويرّج لها باحثون من خلال التركيز على مسألة حقوق الأقليات فى الوطن العربى باعتبارها مناقضة لسلطة الأكثرية، ولهذا يتوقع فى حال نجاح فكرة التقسيم فى اليمن أن تسوق إلى دول عربية أخرى، وهناك من المعطيات ما يشير إلى ذلك فى سوريا من خلال مشروع المبعوث الأممي، وأيضا قى ليبيا، عبر دفع الحوار بين الفرقاء إلى الفشل، الأمر الذى سيعجل بالتدخل العسكري، وهذا سيؤدى إلى تقسيم ليبيا، بل سيجعل الحرب هناك طويلة الأمد، خصوصا بعد النشاط المكثف للجماعات الإرهابية.
الذى يحزننا هنا أننا ندرك هذا، ونسلم به باعتباره قدرا كان على العرب حتما مقضيا، وهو ليس كذلك أبدا، فتسويق أى بضاعة يتطلب وجود زبائن، ولو عملنا بجد وصراحة وإيمان على رفض تسويق الأزمات من دولة عربية إلى أخرى، لتغيرت أوضاع المنطقة، ولأستطعنا بشكل جماعى مواجهة الإرهاب ورفض التدخل الدولي، لكن نحن على العكس من ذلك تماما، نصر على الانخراط فى لعبة الأمم، ونعمل من أجل ربط مصيرنا بالقوى الدولية، التى ترى فى التقسيم، الحل لما نحن فيه، وبالمقابل هى تتكتل فى تجمعات كبرى، منها ماهو على مستوى قاري.
تسويق الأزمة اليمنية نتيجة لاستفحال أمراضنا فى أرض بلقيس، ومن أجل انقاذ دولنا من أزمة مقبلة، أو من أخرى قائمة فى بعض دولنا، علينا انقاذ اليمن، والوقوف ضد تقسيمه، وعدم تركه لتنظيم واحد مدعوم من الخارج، وليس بغلق سفاراتنا مثل كثير من الدول الغربية.. وجود الدول العربية فى اليمن ضرورى له ولنا.. ربما يساعد على انقاذ دولة سـتؤخذ منا مثلما أخذت العراق.
كاتب وصحفى جزائرى
/نقلا عن الاهرام/