أحمد المرشد
تحدثنا في مقالنا السابق عن المؤامرة اليمنية علي الخليج والسعودية ومؤامرة الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح والحوثيين على اليمن نفسه، وكذلك سرّ قوّة الحوثيين الذين تدعمهم إيران بقوة، وفي مقالنا الحالي نستكمل المعادلة السياسية والجغرافية الناجمة عن السيطرة الإيرانية على المنطقة وطبيعة المعركة المحتملة بين إيران والسعودية.. وكنا قد ذكرنا أن إيران تعتقد أنها بنجاحها في دفع الحوثيين بالاستيلاء على اليمن أنها وضعت بذلك شوكة مسمومة في جنوب السعودية، على اعتبار أن اليمن هو فعلاً خاصرة السعودية الرخوة، وأن إيران بتحكمها في الحوثيين ستهدّد الأمن القومي السعودي، وكذلك مصر بعد استيلائها أو تحكمها في باب المندب الذي يطل على قناة السويس أكبر شريان اقتصادي لمصر في الوقت الراهن والذي يعول عليه المصريون في زيادة دخلهم القومي. الواقع يقول إن الإيرانيين يشعرون بتحقيق انتصار سياسي في حربهم لفرض ومدّ سيطرتهم على المنطقة بعد سيطرة الحوثيين على معظم اليمن، ونستخلص هذا من تحليلاتهم، حيث يعتبرون هذا التطور انتصارًا لسياساتهم في المنطقة ويقربهم من السيطرة على البحر الأحمر، والأهم التحكم في المملكة العربية السعودية، لتكون إيران سيدة المنطقة أو سيدها إذا تغاضينا عن التأنيث أو التذكير، في الحقبة المقبلة. يتحدث الإيرانيون عن انتصار سياسي وآخر ذي بعد ديني، وكلاهما مرتبطان ببعض، ونرى هنا أن المحللين الإيرانيين، سرعان ما رجعوا لحقبة الإمام الخميني ليقتبسوا مقولاته، خاصة تلك التي قال فيها:" نحن نسعى إلى تدشين وحدة سياسية وليست وحدة دينية، ونحن الشيعة لدينا طموح كبير، وليس له حدود، فنحن نسعى إلى التمدد على كل الآفاق".
ويرى الإيرانيون أيضًا أنهم أصحاب عقيدة واضحة وضوح الشمس، ومن هنا يعتبرون إنجازهم في اليمن انتصارًا سياسيًا ذا بعد ديني وتحديدًا شيعيًا، حيث إن التمدد الشيعي هنا يضم العراق وسوريا ولبنان، وفي انتظار إحكام الطوق على منطقة الخليج وشبه الجزيرة العربية التي يشملها الطموح الإيراني، وليكون هذا الطوق أشبه بحصار تام على نجد والحجاز والكويت والبحرين، لتقع بأكملها تحت سيطرة مرجعية قم. وليس مجالنا حاليًا الحديث عما دأبت عليه إيران في السابق عندما نفت مرارًا دعم الحوثيين بجانب الرئيس السابق علي عبد الله صالح، حيث اتحد الجميع ضد مصلحة اليمن كدولة وشعب.
ففي السابق دأبت الخارجية الإيرانية على نفي علاقتها بتدريب وتمويل الحوثيين عسكريًا وماديًا، أما الآن وبعد أن آلت إليهم معظم أركان اليمن، فقد أصبح الفخر يملأ قلوبهم ليعلنوا فرحتهم بما أنجزوه مؤخرًا، ليؤكدوا اليوم كيف كان لهم اليد الطولى في إمداد الحوثيين بكل أنواع الدعم المالي والعسكري واللوجيستي. ثم تتمادى الأحلام في الحديث مباشرة عن حصار السعودية عن طريق اليمن. بيد أن كل ما سبق لا يعني أن إيران نجحت تمامًا في مسعاها بضرب الشقيقة السعودية، فثمة سيناريو آخر لِما جرى ويجري في اليمن، ويرى أصحاب هذا السيناريو أن السعودية هي التي نجحت في فتح ما يسمى بـ "الكماشة" لحصار إيران واحتواء مخطط طهران للسيطرة على المنطقة، فالمسعى الإيراني الشيطاني بدأ يسقط في فخّ الدبلوماسية السعودية، وهو ما يدفع بتساؤلات عديدة حول تحركات الدبلوماسية الإيرانية مؤخرًا، والتي أكّدت جميعها أن طهران تريد وفاقًا دبلوماسيًا مع السعودية، وهو ما أعلنه وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، عقب محادثاته مع نظيره السعودي سعود الفيصل، في نيويورك علي هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي، وقال إن بلاده تفتح فصلاً جديدًا في العلاقات بين البلدين وتأتي في مسار إرساء السلام والأمن الدولي ومصالح الأمة الإسلامية.
وأضاف:" باعتقادي ووزير الخارجية السعودي أن هذا اللقاء سيشكل فصلاً جديدًا في العلاقات بين البلدين، ونأمل بأن يشكل هذا الفصل الجديد فصلاً مثمرًا في مسار إرساء السلام والأمن الإقليمي والعالمي وصون مصالح جميع الشعوب الإسلامية في العالم".
نعود للسيناريو الذي يرى أن استعراض إيران عضلاتها بعد استيلاء الحوثيين على اليمن لأمر سابق لأوانه، حيث إن السعودية تدرك بشكل خاص خطر مواجهة عدو خفي في اليمن أو جرها لحرب استنزاف مع جماعة ليس لها قيادة مركزية واضحة.. ولهذا، فإن أسهل الطرق لتدمير هذه الحركة هي تركها لتأكل نفسها بنفسها. وتستلهم السعودية هنا وقائع الحكم الإخواني في مصر، حيث انتهت شوكتهم تمامًا بعد عام من رئاسة محمد مرسي، وعلى خلفية سقوط حكم الإخوان في مصر، ندرك جميعًا مدى ضعف هذه المنظمات، وهي في سدة الحكم ومدى استعجال الشعوب في إسقاطها.
فالإخوان " السنية "سقطت بشكل سريع في مصر السنية، فما بالنا بجماعة محدودة العدد وا?مكانات تعتقد أنها تستطيع أن تحكم اليمن والذي يرفض غالبية شعبها هذا التمدد الحوثي غير المقبول سياسيًا ودينيًا واجتماعيًا. ويسير السيناريو في اتجاه تدمير الحوثيين من الداخل، وهو ما تعقد عليه المملكة آمالها في مواجهة إيران التي تعتقد أنها ستمدد سياستها في جنوب شبه الجزيرة العربية. ثم نأتي للتكلفة المالية الشاقة على إيران التي تنفق الملايين من الدولارات من ميزانياتها الاقتصادية المرهقة في تصدير ثورات في المنطقة العربية رغم تردي حالة المواطن الإيراني، خاصة أن نصف شعبها تقريبًا يعيش تحت خط الفقر، وعلى هذا، فإن الحوثيين ليسوا سوى بضاعة غالية أضافتها السياسة السعودية على الفاتورة الإيرانية المرهقة بأعباء باهظة تشمل سوريا والعراق ولبنان وغيرهم من الدول.
فقد نجحت السياسة السعودية في نقل مشاكل الجار اليمني بكل مشكلاته التاريخية والسياسية والاقتصادية إلى إيران، أما مسألة الحدود التي تعول عليها إيران كثيرًا في إرباك الأمن والحدود السعودية، فرد الرياض هو أنها ? تخشى المغامرات السياسية والعسكرية على حدودها، فالجيش السعودي يمتلك القدرات العسكرية والتدريبية والاحترافية للرد على أي محاولات لزعزعة الأمن وتدمير أي قوة مهما كانت في ساعات فقط..
وكما يقول محلل سياسي سعودي، فإن جيش المملكة يستطيع اجتياح صعدة والجوف وسفيان وكل المناطق التي يمكن أن تتسبب في إزعاجها على الحدود ليصبح اليمن يطالب السعودية بإعادة ا?رض المحتلة.
وبدل أن تقع السعودية في الفخّ الإيراني، تكون إيران هي التي سقطت في الفخّ السعودي والبادي أظلم، وبدلاً من تعرض الميزانية السعودية لإرهاق اقتصادي، تشتد الأزمة الاقتصادية الإيرانية خاصة في ظل تراجع أسعار النفط. ومقابل الاعتقاد الإيراني بأن انقسام اليمن إلى شمال وجنوب وخلافه سيخلف عنه كلفة سياسية واقتصادية مرهقة على السعودية، ترى السعودية أن الجنوب اليمني الذي تعول عليه إيران للسيطرة على البحر الأحمر وباب المندب سيكون هو حائط الصد أمام طموحات الحوثيين في السيطرة على كل أنحاء اليمن، وسيكون الجنوب أيضًا الصخرة التي ستتكسر عليها آمال إيران.
/نقلا عن الراية/