محمد كريشان
كثيرة هي مصائب اليمن هذه السنوات وجمال بن عمر هو إحداها بلا جدال، فمبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى هذا البلد المعين في أول آب/أغسطس 2012 بات مؤخرا في صدارة الأسئلة المحيرة العديدة التي يطرحها الملف اليمني. وتتراوح الظنون بشأن بن عمر تمتد من خفها وهو الفشل إلى أثقلها وهو التواطؤ، وقد لا يهم هنا كثيرا أن يكون مثل هذا التواطؤ المفترض شخصيا أو تنفيذا لتوجه لدى الأمم المتحدة تدفع به الولايات المتحدة ومن معها، أو على الأقل لا تعترض عليه.
إزدادت الشكوك في بن عمر بشكل تصاعدي متواز مع التغول التدريجي لجماعة «أنصار الله» (الحوثيين) حتى لكأن هناك رقصة ما يؤدونها معا بحيث أن الأيدي المتحررة أحيانا لكل منهما، خلال هذه الرقصة، لا تعني شيئا كثيرا لأنها سرعان ما تتشابك من جديد على إيقاع النغمة التي يفرضها عبد الملك الحوثي من برجه العاجي أو الكهنوتي في صعدة.
آخر ما فعله بن عمر عدم تنديده بـ «الإعلان الدستوري» الذي يحاول الحوثيون فرضه عنوة على كل البلد رغم أنف الجميع. إكتفى الرجل باعتباره «خطوة أحادية الجانب» لم يطالب حتى بالعدول عنها لاستئناف الحوار بين الأطراف اليمنية الذي بدأ أمس الأول الإثنين. هذا الحوار الذي لا يراه زعيم الحوثيين في كلمته الأخيرة إلا في شكل جديد ينطلق من التسليم بالخطوة التي أقدم عليها. لهذا يرى عدد لا بأس به من اليمنيين أن استئناف الحوار دون أية مؤشرات، ولو ضعيفة، على نية الحوثيين مراجعة خطواتهم هو في النهاية محاولة من بن عمر لتكريس ما جاء في إعلان الحوثي حتى يكون واقعا جديدا تقبل به القوى السياسية راضية أو مرغمة.
دور بن عمر تحول صراحة الآن إلى «شرعنة الانقلاب» وفق كثير من اليمنيين فهو لم يفعل طوال الفترة الأخيرة سوى ما يؤدي إلى «ترسيخ حكم الحوثيين» ويكفي هنا مقارنة الخط البياني لأدائه مع خطوات الأمر الواقع الحوثية.
لقد كان بن عمر يفاوض الحوثي في صعدة والعاصمة صنعاء تسقط في يد جماعة هذا الأخير فلما اكتملت هذه المهمة لم يستنكرها بن عمر بل سارع إلى توفير طوق نجاة لخطوتهم تلك عبر ما سمي بـ « اتفاقية السلم والشراكة الوطنية».
وحين استتب الأمر للحوثيين في صنعاء وفرضوا الإقامة الجبرية على رئيس الدولة ورئيس حكومته لم يجرأ بن عمر في مقابلة تلفزيونية حتى على توصيف وضع هذين الرمزين للدولة على أنهما في الإقامة الجبرية، كما سبق له وأبلغ الأمم المتحدة، بل ظل يلف ويدور ليفهم الناس أنهما في إقامة جبرية دون أن تخرج هذه المفردة من فمه.
وقتها لم يدن بن عمر هذه الخطوة كما لم يتجرأ علنا على إعطائها الوصف المناسب بل سارع إلى محاولة جر الأطراف اليمنية إلى جولة جديدة من حوار يلوك مفردات «الشراكة» و«الحوار الوطني» في نوع من إثارة غبار يغطي الخطوة الحوثية.
لم يكن لبن عمر من عذر أبدا فيما فعل خاصة وأنه كان يمارس مهمته بغطاء من ثلاثة قرارات صادرة بالإجماع عن مجلس الأمن، «وهي القرارات التي تمنحه الشرعية السياسية والقانونية، لأن يظهر مواقف حازمة ضد كل من يعرقل العملية السياسية، وليس من يلغيها كما فعل الحوثيون» كما كتب المحلل اليمني عبد الناصر المودع.
لقد سمح بن عمر بتدحرج الكرة اليمنية نحو قاع سحيق وكان في كل مرة يتبع الكرة ولا يحاول إيقافها. بدأ ذلك منذ سيطرة الحوثيين على عمران وصولا إلى سيطرتهم على العاصمة في الحادي والعشرين من سبتمبر/ أيلول الماضي وفرض وجودهم بترهيب القوة والسلاح إلى أن استقال الرئيس والحكومة و»لهف» الحوثيون الحكم بعد أن نضجت ثماره وتدلت أمام سلبية عحيبة للمجتمع الدولي الذي كان بن عمر رمزه الصارخ والمستفز.
ومثلما كتبت السيدة نداء هلال المستشارة الإعلامية السابقة لبن عمر فإن خطوة دخول الحوثيين صنعاء «أدخلت العملية السياسية في حالة موت سريري، وقدّمت مشروع «اليمن الحوثي» وربما اليمن الجنوبي على مشروع «اليمن الجديد»، وفتحت باب المجهول على مصراعيه» معتبرة في مقال لها قبل فترة بجريدة «الحياة» أن «ما حصل لم يكن سقوطاً لعاصمة الوحدة فحسب، بل تسليماً للدولة ولكلّ ما تحمله من أعباء راكمتها العملية الانتقالية ومظالم السنوات السالفة… تسليماً، بل استسلاماً لقوة سلاح إقليمي عاث ممانعة في لبنان وسوريا والعراق وها قد أحكم قبضته أخيراً على اليمن».
وفي كل هذه الخطوات كان بن عمر يتكلم بلغة مائعة لا تعني شيئا، شجعت الحوثيين على التجرؤ أكثر فأكثر حتى وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه. كل ذلك يجعل من جمال بن عمر أكثر من مجرد شاهد زور .
*القدس العربي