فواز العلمي
تفاقم الانسداد السياسي وفراغ السلطة الشرعية في اليمن المحظوظ لم يكن ناتجا عن انضمامه إلى اتفاقية الجات، ولكنه جاء نتيجة حتمية لتنامي إنتاجه من القات، وتفاقم أزمته الإنسانية والتنموية.
منذ اندلاع ثورته الحوثية الإيرانية المشتركة التي أضرمت بين قبائله فتيل الانشقاق، وفتكت بالأخضر واليابس، فما تبقى إلا نبات "القات"، تفاقمت الخسائر الاقتصادية في اليمن "السعيد" بمعدل 10 مليارات دولار سنويا، تعادل 34% الناتج المحلي الإجمالي، وسببت الخراب والدمار لمرافق الدولة ومؤسساتها الرسمية، إضافة إلى اضطرار الحكومة لاستيراد 60% من احتياجاتها النفطية، و80% من احتياجات شعبها الغذائية.
ومع الغياب الكامل لسيادة القانون وأصول الحوار، أصبح اليمن "السعيد" يعيش اليوم مرحلة خطيرة من تفاقم أوضاعه الأمنية والسياسية والاقتصادية، ما أهله بجدارة إلى احتلال المركز الرابع على مؤشر الإرهاب للعام 2014 من بين 162 دولة حول العالم، متسابقا مع العراق وأفغانستان والصومال.
وهذا أدى بدوره إلى تجميد أكثر من 120 مشروعا استثماريا خليجيا، وهروب 58% من رؤوس الأموال اليمنية، وخروج 34 شركة نفطية أجنبية بعد وقف أنشطتها وتصريف موظفيها، الأمر الذي فاقم عجز المالية العامة اليمنية التي يشكل فيها النفط 70% من موارد الموازنة، وتمثل عائداته 90% من موارد النقد الأجنبي.
من مفارقات الرئيس المعزول علي عبدالله صالح، أنه وصف اليمن "السعيد" أثناء لقائه مع مجلة "نيويوركر" الأميركية باليمن "المحظوظ"، موضحا أن إنتاج "القات" يلعب دورا محوريا في اقتصاد بلاده، إذ تسهم تجارته بنسبة 16% من التوظيف وتشكل عوائده 25% من الناتج المحلي الإجمالي، ولعله تجاهل ما أعلنته منظمة الغذاء العالمية "الفاو" في العام الماضي أن اليمن "المحظوظ" تحول خلال فترة رئاسته من أشهر الدول المنتجة والمصدرة لأجود أنواع البن والعسل في العالم إلى أكبر منتج ومصدر لنبات "القات"، الذي استهلك 60% من المياه الجوفية اليمنية، ووضع صنعاء على رأس قائمة عواصم العالم التي تعاني جفاف المياه وملوحة التربة.
ومن مفارقات العولمة في عصرنا الحديث، أنها استبشرت خيرا بمقابلة الرئيس المخلوع، لتوافق في العام الماضي على انضمام اليمن "المحظوظ" إلى اتفاقية "الجات" وتزيد حظوظه في فتح المزيد من أسواقه لتجارة "القات"، ما أدى إلى تدافع مواطنيه على إنفاق 33% من دخلهم لشرائه، وارتفاع دخل الحكومة بنسبة 45% جراء تسويقه.
وقد يكون لاتفاقية "الجات" الباع الأطول في إلزام الفريق التفاوضي اليمني على تخفيض متوسط رسومه الجمركية إلى 6.2%، ليتمكن من استيراد المزيد من غذائه ودوائه في ظل استمرار إنتاجه لنبات "القات"، فيزداد حظا لدى دخوله نفق الهلاك المظلم ويتعثر بقروضه المزمنة التي فاقت نصف دخله الوطني.
ومن مفارقات السياسة في ربوعنا العربية أن المنشق عبدالملك الحوثي الذي تفوق على أقرانه لدى بلوغه الثالثة عشرة من عمره، قبل 23 عاما ليكافئه والده بدر الدين الحوثي بتلقيبه "الطارقة" أي العلامة، نظرا لما اكتسبه ابنه من علم الكلام وفن الإعلام وفقه المواريث في المذهب الزيدي الحديث أنه ما كان من "الطارقة" عبدالملك الحوثي إلا أن يستمر في حياته متنقلا مع والده وسط أرياف وقرى ومزارع "القات" لحل قضايا نزاعات القبائل والأفراد، فلم يلتحق بالمدارس النظامية وفشل في الحصول على شهادة علمية.
في منتصف التسعينات غادر "الطارقة" عبدالملك الحوثي حياة الريف وانتقل من محافظة صعدة إلى العاصمة اليمنية للعيش مع أخيه الأكبر حسين الحوثي، مؤسس جماعة "الشباب المؤمن"، التي عُرِفت فيما بعد بجماعة "أنصار الله".
وهناك تفتحت مدارك "العلامة" عبدالملك الحوثي على الأفكار الحزبية والسياسية، ليمارس قراءة الصحف ومتابعة الأخبار ومناقشة التطورات والمستجدات بحكم الأحداث التي شهدتها حرب الانفصال بين شمال وجنوب اليمن "المحظوظ"!
في الأسبوع الماضي سلب "الطارقة" عبدالملك الحوثي السلطة الشرعية في اليمن "المحظوظ"، مطالبا بضرورة تثبيت سيادة القانون، ومؤكدا على أهمية تنظيم شؤون الحكومة، وواعدا بتخفيض الضرائب المفروضة على قبيلته.
إلا أن مؤشر الحرية الاقتصادية الصادر عن مؤسسة "هيريتج فاونديشن" مطلع العام الحالي خالف توقعات "العلامة" عبدالملك الحوثي وشريك انقلابه علي عبدالله صالح، مؤكدا تراجع اليمن 17 مرتبة، ليحل في المركز الـ133 من أصل 186 دولة عالميا في التلاعب بسيادة القانون، وتقهقر دور الحكومة في الكفاءة التنظيمية، وتفاقم العبء الضريبي الكلي المفروض على الشعب اليمني "المحظوظ" بانقلابه، بنسبة 7% من الناتج المحلي الإجمالي، وازدياد النفقات العامة للدولة "المحظوظة" بزعيمها الانقلابي بمعدل 37% من الإنتاج المحلي، ليتخطى الدين الحكومي عتبة 51% من الاقتصاد الكلي!
كما جاء البنك الدولي ليؤكد أيضا أن اليمن "المحظوظ" بإنتاج "القات" أصبح من أكثر دول العالم اعتمادا على المساعدات الدولية بنسبة 55%، وانخفض معدل نموه الاقتصادي إلى أقل من "-10%"، وارتفعت نسبة البطالة بين شبابه إلى 60%، وبين مختلف فئات شعبه إلى 35%، فأصبح 45% من مواطنيه يعيشون تحت خط الفقر، وزاد معدل التصخم في مؤشر أسعار المستهلك إلى 20%، وحقق في استشراء الفساد المرتبة 161 بين 170 دولة في تقرير منظمة الشفافية العالمية.
تفاقم الانسداد السياسي وفراغ السلطة الشرعية في اليمن "المحظوظ" لم يكن ناتجا عن انضمامه إلى اتفاقية "الجات"، ولكنه جاء نتيجة حتمية لتنامي إنتاجه من نبات "القات"، وتفاقم أزمته الإنسانية والتنموية، ما أدى إلى تدهور الاقتصاد وانحسار المساعدات الخارجية بعد السعي الدؤوب لرئيسه "المحظوظ" علي عبدالله صالح، ورفيق دربه "الطارقة" عبدالملك الحوثي، إلى نشر الفساد وتبديد المال العام وتشتيت شمل البلاد.