حسن مشهور
يستطيع المراقب الجيد أن يدرك، أن الأوضاع الراهنة باليمن تسير بخطى حثيثة نحو مصير أقل ما يوصف بأنه كارثي. فهذا البلد الذي طالما عانى على امتداد حقبات زمانية من عديد من الويلات، يبدو وكأنه مقدر له أن يعاني مزيداً منها في القابل من الأيام.
فبالعودة للتاريخ القريب لهذا القطر العربي الذي كان في مرحلة تاريخية يوصف بأنه أرض الجنتين، سنجد بأن تغيَّر الزعامات والأنظمة السياسية على امتداد تاريخه لم يزد المواطن اليمني إلا شقاءًً ولم يُضْفِ على حياته سوى مزيد من المعاناة.
فخلال فترة الحكم الأمامي الذي خضع له اليمن، نجد أن الإمام يحيى حميد الدين ومن بعده خليفته أحمد حميد الدين أو من كان يدعوه أهل اليمن «بأحمد واجناه» قد شكلا وبالاً على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لهذا البلد التعس.
إذ أن ثلاثية «الفقر والجهل والمرض» لم تكن أبرز ما حفلت به مرحلة حكم الإمام أحمد، بل كان الرعب من شخصه أمراً يصاحب المواطن اليمني في ساعات راحته ويقض مضجعه أثناء نومه. فالرجل قد استغل حالة الجهل المتفشية بين عموم أبناء الشعب وتمكَّن من صنع هالة من حوله حول علاقته بعوالم الظلام وقدرته على تسخير الجن للتخلص من خصومه.
وإذا ما أضفنا لذلك الاغتيالات السياسية السرية والممنهجة التي مارسها بحق معارضيه السياسيين والتي كانت هي السمة الغالبة على فترة حكمه فسندرك جيداً أن المؤامرة التي أعدها خصومه وأدّت للتخلص منه مازال يراها عديد من أبناء ذلك الجيل هبة من السماء.
وعلى الرغم من الإطاحة بحكم الإمامية، بثورة العسكر التي أعدت في المطبخ السياسي المصري لحكومة عبد الناصر وتزعمها صورياً المشير عبدالله السلال، إلا أن الوضع لاحقاً قد ازداد سوءاً وتكشف عن مزيد من الخيبات وبدا حينها أن المواطن اليمني لم يكن محقاً حينها حينما بدا وكأنه يردد قول الشاعر:
إني ملكت في يدي زمامي.
فبخلاف المقدم إبراهيم الحمدي الذي خلف القاضي عبدالرحمن الإرياني في رئاسة اليمن في انقلاب أبيض وشهدت فترته الرئاسية القصيرة هدوءاً سياسياً وتركيزاً على تنمية حياة المواطن اليمني، فإن الحقبة الزمنية التي تلت اغتياله سواء في مرحلة حكم المقدم الغشمي أو حكم علي عبدالله صالح فإن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية اليمنية لم تشهد سوى مزيد من التدهور والانحدار.
وعلى الرغم من نجاح المواطن اليمني في المرحلة الثورية التي سميت اصطلاحاً بالربيع العربي من إزاحة صالح والعسكر بعد معاناة مريرة عانى فيها أبناء الثورة من ألاعيبه السياسية العديدة، إلا أن متتابعات الأحداث قد دفعت بالوضع اليمني نحو الأسوأ.
ففي الوقت الذي كان يحلم فيه الثوريون بانتخاب حكومة مدنية تتولى مشروع الإصلاح والنهوض بالوضع الاقتصادي والسياسي لليمن نحو الأحسن وخاصة بعد اختيار رئيس توافقي للجمهورية الثانية، فإننا نجد مساحات جغرافية من البلد قد غدت ملعباً لتنظيم القاعدة كما أن المليشيات المسلحة – الجماعات الحوثية – قد تمكّنت من التغلّب على الشرعية السياسية القائمة وفرض سيطرتها على مقدرات اليمن بالقوة.
الأمر الذي أدّى لوجود حالة احتقان داخلي وفوضى قد تهدد بتفجر الأوضاع الداخلية لليمن في أي لحظة ومن ثم دخول اليمن في نفق مظلم يهدد سلمها الأهلي وينذر باللاعودة. لذا فأنا أقولها جاداً للأمانة والتاريخ، إن المجتمع الدولي مطالب حالياً بتوجيه أنظاره نحو هذا البلد المنكوب والعمل على حل أزمته السياسية الراهنة ووضعه الاقتصادي الخانق بصورة عاجلة.
/الشرق/