الأرشيف

اليمن: عراق آخر

الأرشيف
الخميس ، ٢٩ يناير ٢٠١٥ الساعة ١١:٤٨ صباحاً

أيمن خالد


لا نتمناه ولكنه كذلك، اليمن اليوم على خطى الحالة العراقية، وما حدث في العراق قادم الى اليمن، من هجرة وتهجير وحرب دموية صعبة، والاف من المهاجرين على حدود السعودية، وبمقابل ذلك هو اليمن ذاته سوف يستقبل المزيد من المهاجرين من نوع مختلف، هم الجهاديون الذين سيزحفون من الصومال ومختلف دول القارة الإفريقية، فيما يبدو مشهد راحة لدول القارة تلك، التي سيغادرها الجهاديون الذين ستنتقل اليمن بهم خلال العام الحالي وربما القادم الى مرحلة دموية غير مسبوقة.

في ظاهر الحرب اليمنية ان الاطراف على اختلافها وصلت الى طريق مسدود، ولم تعد الطريقة مفتوحة سوى للسلاح، وفي عمق الازمة، بتقديري ان جميع الاطراف اليمنية هم توقفوا منذ زمن عن ادارة الازمة بأنفسهم وتحولوا الى وكلاء لغيرهم، وهذه الوكالة التي منحها الساسة في اليمن لغيرهم اوصلتهم للحالة الحالية التي تعني أن اليمن بات رهينة بيد ايدي عديدة ولكل مصالحة فيها.

أمريكا: تريد من قصة اليمن المزيد من استنزاف ايران واغراقها على شاكلة مستنقع العراق، ما يعني ان الابتسامات والتسهيلات المقدمة لإيران في الدبلوماسية، لها هناك استنزاف مضاعف على مختلف الاصعدة، فهذه الدولة تشكو من علة ضخمة في اقتصادها، وبمقابل ذلك هي مستنزفة في مجالات الاقتصاد والسياسة والعلاقات الدولية وعلاقات الجوار وحتى بالمستويات الاجتماعية بعد وصول السقف الطائفي للصراع لألسنة السياسيين الذين يريدون استغلال حتى الدين ومن يلجأ إليه ضعيفاً مستضعفاً، لأن السياسي معني بأن يختبئ في وسط الازمات العاصفة بثوب أعمق من قصة المصالح السياسية.

ايران هنا تصنع الاسلحة، وايضا تستنزفها في لعبة لا تطفئ الحروب، وتنتقل فيها وبصناعاتها من حرب الى حرب، في ذكرى تاريخية لدولة صاعدة كانت ذات يوم اسمها مصر محمد علي، الذي استنزف قواه في حروب غير مجدية، ثم اصبح كل ما لديه رهينة.

امريكا تريد ان تتخلص من الجهاديين في القارة الافريقية، وهي معنية بجغرافيا محدودة هي مضيق باب المندب، لأنه في حالة انهيار الدولة، فالممرات المائية ستجد من يقوم بحمايتها بقرار اممي ايضا، وهذه الحالة قادمة على اليمن، وهذا يكفي الامريكان للسنوات القادمة، فعين الامريكان على اليمن، وعينهم الاخرى على الامارات العربية، ورأس المال العالمي الذي يزحف اليها، وهي معنية ايضا بتحويل هذه الجغرافيا الى صحراء نفطية، واستبقت ذلك بإخراج الامارات من دولة كانت بمثابة سويسرا العرب، الى دولة متحررة في السياسة، وتقود اسراب الطائرات فيها امرأة، وقد تقودها اميرة في المرحلة القادمة، امام صورة باتت واضحة للإمارات العربية، قد يبداها الامريكان بـ 11 ايلول/سبتمبر عربي هناك، خصوصاً وأن الاختراقات الامنية هي معركة أولى في ادارة الصراع في المنطقة بين الحركات الجهادية واعدائها، ما يكرر لنا مشهد الاختراق والتوريط، على شاكلة دولة اسلامية في صحراء مالي.
السعودية: هي في اضعف ايامها، ورسائل الامريكان بانفلات الوضع في اليمن، تعني للسعودية امرا واحدا، أن الامريكان هم الضامن الوحيد لبقاء الحكم والدولة، وهذه الخطوة ليست مجانية، فالسعودية انهت دورها القيادي العربي، وهي غدا دولة من حيث الاداء هامشية الدور، ويمكن للسائح ان يسأل فيما بعد اين تقع السعودية، وستجد من يقول هي بجانب دولة اسمها قطر.

ومع ضعف السعودية السياسي يكون الخليج العربي قد جلس في قائمة الصمت والانتظار وهو معني برصد كل قواه المالية، لبقاء الامبراطورية الامريكية بألف نعمة، ولهذا تفسير واحد، أن العرب ذاهبون لمرحلة صمت الشياه التي لا تعلم هل هي للذبح ام لاستخلاص الصوف.

وأما اليمن: فجميع الاطراف اليمنية هي خاسرة، وما يحدث الان مجرد بداية لشرارة لم تشتعل، فالأمريكان ليست لديهم مشكلة أن يتم تسهيل هجرة الجهاديين من أفريقيا ذات المستقبل الجيد في الاستثمارات، نحو الجنوب العربي، الذي سيشهد نهاية القاعدة بفكرها القديم، وولادة تنظيم الدولة الذي سيرى أن كل الاطراف اليمنية السياسية هي ضمن استهدافه.

الحرب في اليمن هي كالحرب في العراق، لا تهم الامريكان أن تنطفئ نيرانها، فهي وقود جيد للاستثمار في عالمي السياسة والمال، فعالم المال يزداد اكتنازا بسبب الحروب، واما الاستثمار السياسي، فليس أفضل من ذهاب الإيرانيين بأموالهم وجيوشهم الى حرب البسوس، التي تتفرج عليها اسرائيل من بعيد، وتشعر بمزيد من الامن.
باب المندب هو مفتاح سياسي للمرحلة القادمة.

? كاتب فلسطيني

أيمن خالد

 

/صحيفة القدس/

 أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)
أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)