د . ناصر زيدان
يبالغ زعيم الحوثيين الشاب عبدالملك الحوثي في استخدام القوة العسكرية لميليشياته المدعومة خارجياً لإحداث تغييرات سياسية جذرية في اليمن، أما الحراك الجنوبي الذي أعلن استقلال المحافظات الجنوبية الثلاث عن سلطة صنعاء، فهو أيضاً ربما استعجل في استغلال الاضطراب الواسع الذي أحدثه استيلاء الحوثيين على صنعاء، وقرر على عجل إعادة عقارب الساعة 25 عاماً إلى الوراء .
الرقص على حافة الهاوية قد يدفع باللاعبين جميعاً إلى الهاوية، ويخسر الفرقاء كافة طموحاتهم في الوحول الآسنة، وقد تغرق البلاد كلها في حروب لا أفق لها، تأكل الأخضر واليابس، وتعرقل اليمن السعيد، على أقل تقدير .
لا يمكن إحداث تغييرات جذرية على واقع اليمن بقوة السلاح، وفقاً لما يتطلّع إليه الحوثيون . ذلك أن الواقع القبلي والمذهبي والديموغرافي، لايسمح باستقرار أية مقاربة لا تأخذ بعين الاعتبار تلك العوامل . كما أن الاعتبارات الاستراتيجية ليست في مصلحة الطموحات الحوثية التي كشّفت عن ارتباطات خارجية لا تستوعبها الصورة الجيوسياسية للمنطقة .
أمّا الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، فربما ارتكب خطأً يصعب تجاوزه، عندما احتضن الحوثيين وساعدهم على إسقاطهم الرموز الشرعية بقوة السلاح، لاسيما استباحة القصر الرئاسي، ومقر الحكومة في صنعاء، ما أدى إلى إعلان استقالة رئيس الجمهورية المنتخب عبدربه منصور هادي، ورئيس الحكومة خالد بحاح، وتهجير معظم أعضاء البرلمان عن العاصمة صنعاء .
تلك التداعيات الثقيلة لاندفاعة عبدالملك الحوثي وعلي عبدالله صالح، لا يمكن ضبطها بالسهولة التي كان يتوقعها الرجلان، وبعد تلك الاندفاعة - المغامرة - هي بالتأكيد غير ما قبلها .
وفي ذات الخانة من الغموض والانسداد، يمكن تسجيل الحماسة الجنوبية في إعلان الانفصال، ذلك أن الموقف الطبيعي الذي كان منتظراً من الحراك الجنوبي رداً على الاندفاعة الحوثية، هو الوقوف إلى جانب الرئيس المستقيل، ورفض استقالته، وتدعيم عرى الشرعية الدستورية، لأن الامتعاض الحوثي من الرئيس عبدربه منصور هادي كان يستند بالدرجة الأولى على تضمين هادي للدستور الجديد تقسيم اليمن إلى ست أقاليم، مع لامركزية واسعة، ترضي الطموحات الجنوبية .
بشائر الاعتراض على فرض أمر واقع بالقوة العسكرية، بدأ مع التحذير الذي أطلقه مجلس الأمن الدولي في 22/1/2015 لكي لا تتجاوز الميليشيات المسلحة حدود الشرعية، ودعا في البيان ذاته كل القوى السياسية للتعاون مع مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة جمال بن عمر، الموجود في صنعاء، لأن خيار التفاوض والحوار هما الوحيدان اللذان يمكن سلوكهما لتحقيق تسوية عادلة، على قاعدة تنفيذ بنود وثيقة الوفاق الوطني التي تمّ التوقيع عليها من قبل كل أطراف مؤتمر الحوار في 25/1/2014 .
المفاجأة التي قد تجهض كل حسابات المغامرين، كانت في اندلاع الاحتجاجات الشعبية السلمية في وجه الانقلاب الميليشياوي على الشرعية، فقد أعلنت حركة "رفض" المناهضة للتوسع الحوثي القيام بمجموعة من التحركات الشعبية التي تدعو الرئيس هادي إلى العودة عن الاستقالة، وتطالب الحوثيين بالانسحاب من العاصمة صنعاء والحديدة (العاصمة الاقتصادية على البحر الأحمر) .
تلبية الدعوة للتظاهر كانت كبيرة وواسعة، حيث انطلقت المسيرات في أكثر من محافظة، لاسيما في صنعاء، وفي المكان ذاته الذي كانت تحصل فيه التظاهرات ضد حكم الرئيس السابق علي عبدالله صالح، أي "ساحة التغيير" نظراً لرمزيتها الثورية التي أجبرت صالح على التخلّي عن الرئاسة في العام ،2011 بعد أن تولاها ما يزيد على 30 عاماً . ولم تتمكن قوات "أنصار الله" الحوثية من محاصرة المتظاهرين، رغم إطلاق النار لتخويفهم، خصوصاً قرب جامعة صنعاء التي تتحصّن فيها قواتهم .
مراكز الدراسات الاستراتيجية، والمراقبين لما يجري، غير مقتنعين بإمكانية إحداث تغييرات استراتيجية على الخارطة اليمنية . فلا الاتفاقات الحوثية مع الرئيس السابق علي عبدالله صالح يمكن أن تؤمن استقراراً، أو تؤسس لمقاربة جديدة مختلفة عن المعادلة القائمة، ولا الاستغلال الجنوبي للأحداث لتحقيق الطموحات الانفصالية يمكن هو أيضاً أن يؤمن مشروعية لمطالب قديمة - جديدة، فيها بعض الأحقية .
المكابرات في اليمن، والاستباحة، مضافين إلى عمليات القاعدة الإرهابية وسط البلاد، يعتبر رقصاً على حافة الهاوية، ويهدد جميع اللاعبين بخطر السقوط .
/الخليج/