رحاب عبدالله
حتى لحظة كتابتي لهذه السطور ونحن بلا رئيس ولاحكومة ولا جيش، وهو مايعني افتقاد بلادنا إلى مقومات الدولة بكل ماتحمله الكلمة من معنى فلا وزارات ولامؤسسات ولانظام.
رغم فداحة الأمر وهول المصيبة خاصة في تزامن مايحدث مع المنعطفات الحرجة والأزمات السياسية الطاحنة التي تمر بها المنطقة برمتها، إلا أن الملفت للنظر أن الحياة اليومية في بلادنا لم تتوقف بل تسيرضمن حدودها الدنيا متخطية التحديات والعراقيل ومتجاوزة الصعوبات والأزمات ، فالجميع يحرص على استمراريتها وعدم تعطلها وعلى تخطي انعكاسات الواقع السئ قدر المستطاع.
ولعل من قُدرت له يوما زيارة اليمن والتعرف عن كثب إلى تضاريسها وطبيعتها والإطلاع على المقدرة العجيبة التي يتمتع بها الإنسان اليمني منذ القدم في تطويع تلك الظروف والتكيف معها يمكنه وبسهولة أن يدرك السبب الذي يقف وراء هذا الصمود العظيم لليمني في وجه التحديات والأزمات مهما بلغت مبلغها.
وعلى الرغم من الإنفلات الأمني والفراغ السياسي والغلاء المعيشي والإرتفاع الفاحش في أسعار السلع الأساسية التي يحتكرها تجار الضمائر الميتة إما للإثراء المضاعف أو لافتعال أزمات تصب في مصلحة أطراف باتت معروفة للجميع.
أقول رغم كل هذه الظروف إلا أن المواطن اليمني يحرص على الخروج إلى عمله حتى لاتتوقف عجلة الإنتاج ولا تتعطل مصالح الناس، كما يحرص بالمقابل على التجمع في الميادين و الساحات ليعلن رفضه لما يحدث واستنكاره للجرائم التي ارتكبت وترتكب في حقه وحق وطنه من قِبل من يحتكرون الوطنية ويوزعون صكوك الولاء ويتهمون بالخيانة والعمالة من يغايرهم الرأي ويستخفون بعقول العقلاء ويتعالون على القانون ويكيدون للفرقاء ويدمرون الوطن ليبنوا فوق أنقاضه أمجادهم الشخصية.
.
في نفس السياق تقف المرأة اليمنية إلى جانب الرجل اليمني لتعبر عن رأيها وتمارس حقها المشروع، فتتلاحم الأصوات الداعية إلى قيام دولة حقة لاتعرف المحاباة ولاتعترف بنفوذ الأقوياء ولايسيطر عليها الوجهاء ولا يعبث بقراراتها المتننفذون.
دولة يتساوى فيها جميع مواطنيها فتكفل حقوقهم وتضمن حرياتهم وتحقق لهم حياة كريمة يستحقونها بعد كل هذا العبث ممن حكم الوطن عقودا فنهب الخيرات وأوقد الفتن وأذكى المماحكات وأقصى أهل العلم وقرب الجهلاء وبطش بالنبلاء كي يستقيم له الحكم وتصمت الألسنة الرافضة للظلم.
وهاهو الإنسان اليمني بثياب رثة، وبطن جائع وكاهل أثقلته الأعباء، وصدر جاشت فيه الزفرات لكن بإحساس وطني رائع وبوازع من رقيب ذاتي يحكم مسيرته ويتحكم في أخلاقياته.
يخرج اليمني اليوم بضمير حي ونبل نادر وإنسانية تفوقت على نفسها وعفة تستحق أن يضرب بها المثل لا لينهب ولا ليحطم أو يضايق بل ليهتف وبأعلى صوته (شعبي حر لايهان) .
ماأروعك ياسليل التبابعة وابن الحضارة وأصل العروبة فلا ضيق ذات اليد سينتقص من كرامتك ولا غلبة الدين ستذلك ولا مرارة العيش ستسحب من رصيد إنسانيتك ..ماأروعك أيها الحر الأبي وماأعظم الوطن الذي يضم بين جنباته الألين قلوبا والأرق أفئدة.