محمد ابراهيم الدسوقي
الآن تذكر الكل اليمن بعد خراب مالطا، ويذرفون الدموع الغزيرة على ضياعه وانقسامه، بعد إحكام الحوثيين سيطرتهم على مفاصل الدولة، وفرضهم شروطهم وارادتهم على الجميع دون استثناء،
لكى ينضم هذا البلد التعيس ـ الذى كان يلقب فى سالف العصر بالسعيد ـ إلى قافلة الدول الفاشلة، وكأنه كُتب على جبين العرب الفشل الذريع فى علاج أزماتهم، والاكتفاء بالحسرة والندم، والبكاء على اللبن المسكوب. والاقسى أنه يحرم اليمن من حلم التغيير للأفضل، إذ إنه سيضطر مجبرا لفترة ـ قد تطول ـ الدوران بدائرة الفوضى والقلاقل المفرغة، وسيتكبد المشاق والصعاب، حتى يسترد تماسكه وقوته، وأن تكون المواطنة هى الحاكمة والضابطة لأداء وتصرفات القيادات اليمنية فى مختلف المواقع.
وواقعيا فإنه على العرب الإقرار بضعف وهشاشة النظام العربى ومؤسساته السياسية والأمنية، وأنه لابد من إعادة صياغته من الألف للياء، فهو فاقد للصلاحية والتأثير ـ وهذه عقدة مزمنة ـ، عليهم أيضا الاعتراف بأن إيران كسبت معركة الذكاء فى الأزمة اليمنية، فليس سرًا أنها مَن تقف خلف جماعة الحوثى وتحركاتها، ووجهت لطمة قوية للعرب، لأنها تبسط نفوذها حاليا على 4 عواصم عربية، هى بيروت بواسطة حزب الله، ودمشق بعدما انقذت نظام بشار الأسد من الانهيار، وبغداد التى تحتفظ فيها بمواضع ونقاط ارتكاز مؤثرة تمنحها حتمية الوجود ضمن صيغة اى تسوية مقترحة لاستعادة أمنها واستقرارها المهدد من تنظيم داعش الإرهابي، وها هى ذى صنعاء تلتحق بالدائرين فى الفلك الإيراني، بينما يتمدد اتباع أبو بكر البغدادى زعيم داعش فى القارة الأفريقية، فالعرب بين فكى كماشة داعش والحوثيين، ويبحثون عن مخرج آمن ينقذهم من حصارهما.
وبدا من المشهد اليمنى أن آيات الله فى إيران يردون على إسرائيل ومعها الولايات المتحدة ـ حتى لو ارتأى البعض تعسف الربط بين الحدثين ـ عقب مقتل جنرال إيرانى كبير فى غارة إسرائيلية على الجولان السورية راح ضحيته كذلك نجل القيادى فى حزب الله اللبنانى عماد مغنيه، ورسالتها للغرب والعرب واضحة وليست مستعصية على الفهم الفوري، وتتلخص فى أنه إذا حاولتم ازعاجى ومحاصرتى فلدى الأوراق الكافية والموجعة لإزعاجكم، فبيروت، وصنعاء، ودمشق، وبغداد خنجر مغروس فى ظهر الأمن القومى الوطن العربي، وتستغلها طهران كورقة ضغط جاهزة لإظهارها على الطاولة وقت الحاجة، كلما سعت القوى الغربية وأمريكا لحرمانها من استكمال برنامجها النووى المثير للجدل والمخاوف. ويفرض هذا الواقع على الطرف العربى تحديد موقفه بوضوح وجلاء من إيران، وهل ينظر إليها كعدو وخصم يعد العدة لمقابلته فى أرض المعركة، أم كصديق وشريك يمكن التعاون معه بغية احلال السلام والاستقرار فى ربوع عالمنا العربي؟
ومصر معنية بهذه الجزئية لاعتبارات تخص أمنها القومي، فباب المندب شريان بحرى حيوي، ومن غير المقبول ولا المعقول تركه رهينة فى يد فصيل متصارع على السلطة يستطيع من خلاله المساومة به، ويمكن حدوث ما لا تحمد عقباه جراء عبث الحوثيين، علاوة على مكانتها كقوة إقليمية تقتضى متطلباتها والتزاماتها ايلاء الاهتمام الكافى واللازم بما يدور فى اليمن وبقية المنطقة العربية.
والمنتظر من مصر ليس المسارعة إلى استخدام قوتها العسكرية لتأمين باب المندب، مثلما طالبت بعض الأصوات التى لم تضع فى اعتبارها تجربتنا فى اليمن إبان عهد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، وأنها تجاهد للمحافظة على وحدتها وتماسكها فى مواجهة جماعات وتنظيمات إرهابية لا تكف عن توجيه جل طاقتها فى اتجاه زعزعة الاستقرار الداخلي، واستنزاف قوى الجيش والشرطة، وتنسق جهودها مع عناصر إرهابية فى ليبيا وغيرها لتنفيذ هذا المخطط.
فليس منطقيا فى ظل هذه الأوضاع أن تبادر مصر للدخول فى مغامرة عسكرية خارج حدودها، لكنها مدعوة لشحذ قواها السياسية والدبلوماسية للعثور على مخرج سياسى للمشكلة اليمنية سريعا وبأقل الخسائر للأطراف المتصارعة فى هذا البلد بالتعاون مع بلدان الخليج، وأن تطرح تصورا لنظام عربى جديد يتضمن بناء مؤسسات سياسية قادرة على الفعل، وليس اصدار بيانات الشجب والادانة، والتوجه لمجلس الأمن العاجز، بحثا عن حلول لمتاعب وهموم عربية خالصة، وتشكيل قوة تدخل سريع يتم الاستعانة بها، لانتشال دول انهارت مؤسساتها ولم تعد نخبتها السياسية مؤهلة لاتخاذ القرار السليم فى الوقت الصحيح، لتركيزها فى الصراع على الحكم واقتسام الغنائم والثروات. ولعلنا نتذكر ما جره التدخل الغربى فى ليبيا لإسقاط نظام الرئيس الراحل معمر القذافى من ويلات وأهوال يعانى من اثارها وتبعاتها حتى وقتنا هذا، وسيكون من العبث تكرار التجربة فى بلد عربي.
ولحين حسم هذه القضية، فإن اليمن يحتاج لعملية انقاذ سريعة قبل أن نستيقظ على نبأ انفصال شطره الجنوبى مرة أخرى كثيرون فى عدن يتحدثون هذه الأيام عن وجوب ارجاع دولة الجنوب اليوم قبل الغد ـ، ونشوب معارك طاحنة بين الشطرين على قاعدة طائفية محضة، فالقتال سيكون بين السنة والشيعة وسيعمل تنظيم القاعدة باليمن على تأجيجها بكل السبل الممكنة وغير الممكنة، وسيتردد صداها وتوابعها فى الدول العربية التى تعانى من مرض التطرف وشيوع أفكار ومفاهيم التكفير والعنف، فالأرضية خصبة ومهيأة لمثل هذه المعركة التى ستكلفنا الغالى والنفيس، فلتهبوا لإنقاذ اليمن قبل فوات الآوان.
صحيفة الأهرام المصرية