محمد المذحجي
لندن – «القدس العربي»: بالتزامن مع تصريحات المرشد الأعلى الإيراني عن عدم تمكن الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة من تركيع إيران، تحدث رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة، حسن فيروز آبادي، بشعف متزايد عن «لزوم التخطيط» لفترة سبعة أشهر المقبلة. وأشار نائب رئيس مجلس النواب الإيراني، محمد حسن أبو ترابي فرد، إلى «الإنجازات الإيجابية» للمفاوضات النووية خلال العام الأخير، وشدد الرئيس الإيراني، حسن روحاني، على جدية الجمهورية الإسلامية للتوصل إلى «الاتفاق الشامل» مع الغرب. وفي تغيير واضح للهجة كبار المسؤولين الإيرانيين، أكد علي خامنئي في تصريحات هي الأولى من نوعها الخميس الماضي، «بطبيعة الحال نحن لا مشكلة لنا مع شعب أو دولة أمريكا» وأنه لا يعارض تمديد المفاوضات النووية. وصرح رئيس مجلس النواب الإيراني، علي لاريجاني، بدوره أن له نظرة ايجابية تجاه المفاوضات.
والرسائل المتبادلة بين الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، والولي الفقيه، آية الله علي خامنئي، خلال السنوات الأخيرة، ووعود أوباما لإرضاء الكونغرس لرفع العقوبات عن إيران، والتواجد المستمر لوزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، في محل المفاوضات وزياراته العديدة لعواصم الدول المؤثرة، وتحقق «تقدم كبير في المفاوضات»، تظهر شيئا واحداً وهو أن الولايات المتحدة الأمريكية تحتاج إلى «تعاون الجمهورية الإسلامية لإدارة مشاريعها في منطقة الشرق الأوسط»، وأن واشنطن تعتبر التعاون مع طهران التي أصبح لديها تأثير كبير في المنطقة ولديها سياسة خارجية مبنية على المصالح بعيدة كل البُعد عن الشعارات والأيديولوجيات، الخيار الأفضل لها. وعلى الرغم من أن واشنطن تواجه انتقادات حادة من حلفائها في منطقة الشرق الأوسط، لكن استمرت بشق طريقها إلى المزيد من التعاون مع إيران عبر التوصل إلى «اتفاق شامل» بشأن الملف النووي.
وجاءت صحيفة «الإنديبندنت» البريطانية بمقال هام في 23 تشرين الثاني/نوفمبر الحالي يدعم الاستراتيجية الأمريكية تجاه طهران ويظهر بعض زواياها الخفية، وكتبت، «لا يعتبر البرنامج النووي الإيراني أو الحرس الثوري أو المشروع التوسعي الإيراني المشكلة الكبيرة منذ فترة زمنية طويلة، وعلى وجه التحديد عندما كان أكبر غازي في المنطقة مسلم سني أي صدام حسين».
وأكدت الصحيفة أن الأزمة الإيرانية أو بالأحرى «أزمة علاقاتنا مع إيران» هي حول «الدور الجيو- استراتيجي المستقبلي لشعب عظيم وتاريخي (أي الشعب الإيراني) في الشرق الأوسط ومنطقة جنوب شرق آسيا»، وذكرت أن السياسات السعودية واليمين المتطرف الإسرائيلي وتواجد «مخلوق سني» آخر أي «داعش» حولت إيران إلى «مريم العذراء».
وبينما وضعت الحكومة الأمريكية فيلق القدس التابع للحرس الثوري على قائمة الجماعات الداعمة للإرهاب منذ عام 2011، يزداد يوماً بعد يوم التعاون العسكري الوثيق بين قوات فيلق القدس والجيش الأمريكي فيالعراق وسوريا وأصبح هذا التعاون جلي المعالم. وأشادت مجلة «فارين باليسي» الأمريكية الشهيرة بـ «الدور الإيجابي لفيلق القدس» و»تعاون إيران لحل المشكلة مع حكومة الأسد»، وكتبت أنه يمكن أن «تكون إيران نقطة تحول لتحقيق الاستقرار والأمن في المنطقة بأسرها»، نظراً لنفودها الكبير والمؤثر في النزاعات الإقليمية. الآن حان الوقت لاستغلال هذه «الفرصة التاريخية» لتطبيع العلاقات بين إيران والولايات المتحدة وتحقيق «الإنجاز العظيم» في السياسة الخارجية.
ويرى البعض أن دعم إيران لنظام بشار الأسد هو أحد العوائق الرئيسية مقابل الاتفاق الشامل الإيراني الغربي، لكن سياسة طهران الخارجية على أرض الواقع تختلف عن ما تروج له وسائل الإعلام أو شعارات النظام الإيراني. ولا يعتبر إلحاح إيران على بقاء الأسد بالضرورة سياسة غير قابلة للتغيير، وتشير إحدى بنود خطة الجمهورية الإسلامية لحل الأزمة السورية التي تتكون من 4 بنود، على تقليل الصلاحيات والسلطة للرئاسة فيسوريا. وأكد الإيرانيون خلال المفوضات النووية للجانب الغربي أنه «ليس لن يمكن تغيير الأسد، لكن الأمر يتطلب الظروف المناسبة».
ورغم أن التصريحات الرسمية تظهر أن الخلافات الرئيسية التي تسببت بعدم التوصل إلى الاتفاق الشامل، هي الجدول الزمني لرفع العقوبات وعدد أجهزة الطرد المركزي، لكن ما تم تسريبه حول المفاوضات الأخيرة في فيينا يشير إلى وجود تفاصيل سرية أخرى لا علاقة لها بملف النووي الإيراني وتم التفاوض عليها.
وكشف المجلس الوطني للإيرانيين في أمريكا (ناياك) نقلاً عن مصادر ديبلوماسية غربية أن إيران قد تعهدت أن تحول 35 كيلو غراماً من أصل 75 كيلو غراماً من المخزون الإيراني من اليورانيوم المخصب بنسبة 20 في المئة إلى وقود خلال سبعة أشهر المقبلة، وأن طهران وافقت على زيادة التفتيش المفاجئ لدى مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية للمؤسسات النووية الإيرانية، فضلاً عن سماح طهران لتفتيش المصانع المنتجة لأجهزة الطرد المركزي. وأضاف (ناياك) أن إيران وافقت على الحد من تطوير أنشطتها في مجال «البحوث الحساسة النووية»، ومن بينها عدم حقن غاز اليورانيوم في أجهزة الطرد المركزي IR-5.
وأفادت صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية أن الجانب الإيراني اقترح تعليق بعض أنشطته النووية المُختلَف عليها لفترة تتراوح من ثلاثة إلى سبعة سنوات من أجل التوصل إلى الاتفاق الشامل خلال مفاوضات فيينا الأخيرة، لكن الجانب الغربي رفض المقترح الإيراني. ونظراً لما ورد أعلاه، كان اتفاق الأطراف المعنية بالمفاوضات النووية لتمديد فترة الاتفاق المؤقت لفترة سبعة أشهر حتى تموز/يوليو المقبل، من أجل ترتيب الأوراق السياسية المتعلقة بملفات المنطقة، والمزيد من التعاون العسكري على الأرض، تمهيداً لتطبيق الظروف الملائمة لإعطاء دور «شرطي المنطقة» لطهران من جديد، وتجهيز إيران اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً للقيام بدور مستقبلي استراتيجي لصالح الغرب وعلى رأسه»الشيطان الأكبر» في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وحتى منطقة جنوب شرق آسيا.