الأرشيف

هل سيقف البرلمان اليمني في صف الانقلابيين؟

الأرشيف
الأحد ، ٢٥ يناير ٢٠١٥ الساعة ٠٩:٣٨ صباحاً

عيدروس النقيب


 

يقف البرلمان اليمني يوم (الأحد) أمام لحظة مصيرية حاسمة وهي معالجة الأزمة السياسية العاصفة التي وصلت إليها اليمن بعد أن أجبرت ميليشيات الحوثي المسلحة الرئيس الشرعي في اليمن على الاستقالة والتخلي عن منصبه وترك السلطة تحت سطوة القوة القاهرة لهذه المليشيات.

ينص الدستور اليمني (الذي يفترض انه مجمد بفعل المبادرة الخليجية التي تجاوزته من حيث أولوية التطبيق) على أنه في حالة خلو منصب رئيس الجمهورية يتولى القيام بمهامه نائبه وفي حالة خلو الموقعين تتولى رئاسة مجلس النواب مهام رئاسة البلد لمدة ستين يوما يتم خلالها الدعوة لانتخابات رئاسية، وتنص المبادرة الخليجية على إنه في حلة عدم التوافق في البرلمان على أي قضية من القضايا يكون القول الفصل لرئيس الجمهورية ورئيس وزرائه، وهنا يصبح مصير مجلس النواب بيد رئيس الجمهورية وليس العكس.

هذا هو فحوى المادتين ???-??? من الدستور اليمني وما تتضمنه المبادرة الخليجية عن العلاقة بين رئيس الجمهورية التوافقي والبرلمان الممدد له، والدستور هنا يفترض خلو موقع رئيس الجمهورية لأسباب معقولة ومبررة كحالة الوفاة أو عجز الرئيس لأي سبب من الأسباب المنطقية عن القيام بوظائفه، لكن في ظل ظروف طبيعية يمكن للبلاد خلالها مواصلة العمل بالدستور حتى الوصول الى مؤسسة رئاسية شرعية منتخبة، فهل استقال رئيس الجمهورية زهدا في السلطة أو بسبب المرض أو لأنه يرغب في إجراء انتخابات رئاسية مبكرة؟ وهل ظروف اليمن الحالية تسمح أولا بقبول استقالة رئيس الجمهورية؟ وهل يمكن الوصول بالبلاد إلى مؤسسة رئاسية شرعية منتخبة من الشعب؟ وهل يمكن أصلا إجراء انتخابات رئاسية أو برلمانية أو الاستفتاء على مسودة الدستور بعد ستين يوما أو حتى بعد ستة أشهر أو سنة؟؟

* * *

إن رئيس الجمهورية لم يستقل لأسباب مرضية أو لأنه زاهد في السلطة ومطمئن لإمكانية انتقالها بشكل طبيعي وفقا للدستور اليمني بل لقد قدم استقالته مكرها بعد أن سطت الميليشيات الحوثية المسلحة على كل شيء في البلاد وأرادت أن تتخذ من شرعية الرئيس سلما للوصول إلى كل أهدافها من خلال الإكراه والإملاء على الرئيس للتوقيع على ما تطلب منه فأبى لنفسه أن يسخر وظيفته لتحقيق مطالب الحوثيين الانقلابية غير المشروعة وغير المعقولة وغير المنطقية، رغم ما قدمه لهذه الحركة المسلحة من تنازلات، بمعنى آخر أن الاستقالة تأتي في وضع انقلابي تمكن من سلب الشرعية من كل مؤسسة في اليمن، وبرغم أن البرلمان اليمني هو في غالبيته يمثل الرئيس المخلوع، المتحالف مع الحوثيين في السر والعلن، وبرغم انتهاء ولايته منذ ما يقارب السنوات الأربع، فأنه (أي البرلمان) ما يزال يمثل من الناحية الشكلية المؤسسة الشرعية التي لم تسطُ عليها ميليشيات الحوثيين ويفترض أن يتعامل مع الوضع بما يعبر عن احترام أعضائه لوظيفتهم الدستورية وهي حماية الدستور وعدم السماح لعصابة مسلحة تمارس الخطف والسطو واقتحام المؤسسات والتنكيل بمعارضيها أن تخطف الدستور وتخطف معه وظيفة البرلمان.

* * *

الموافقة على استقالة رئيس الجمهورية من قبل البرلمان اليمني دونما التعرض لأسباب الاستقالة تمثل انحيازا إلى الانقلابيين وتخليا عن الدستور وبالتالي عن شرف تمثيل الشعب اليمني وهي خيانة لا تختلف عن خيانة القائد العسكري الذي يكلف بمواجهة العدو فيسلم موقعه وعتاده وجنوده لهذا العدو دونما مقاومة تذكر (وهي ظاهرة شهدتها اليمن مرارا خلال السنوات الأخيرة، وحصل القائمون بها للأسف الشديد على الترقيات والمكافآت).

لكن رفض الاستقالة سيؤدي إلى خسارة زعيم الاغلبية البرلمانية الذي خطط للوصول إلى هذه اللحظة وسير الأحداث باتجاه حصول ما حصل أعني الرئيس السابق علي عبد الله صالح الذي لم يكن سعيدا قط مثل سعادته هذه الأيام، بيد إن رفض البرلمان للاستقالة سيعيد له بعض الاعتبار ويجعله يقترب من الادعاء بأنه معبر عن الشعب وإرادته.

والسؤال هو: هل سيقف البرلمان في صف الانقلابيين ويدعم انقلابهم بقبول استقالة رئيس الجمهورية أم أنه سيدرس الأسباب التي دفعت الرئيس للاستقالة وسيدين احتلال العاصمة والسيطرة على المؤسسات الرسمية بالقوة المسلحة ويتبنى موقفا يدعو إلى إعادة الأمور إلى مجاريها باتجاه استكمال عملية الانتقال السلمي للسلطة في اليمن؟؟

ذلك ما سيبينه موقف مجلس النواب غدا من هذا التحدي الكبير الذي وضعته أمامه اللحظة السياسية اليمنية المرتبكة الملتبسة والمشوهة.

* * *

شكرا للحوثيين الذين يحاصرون الوزراء والبرلمانيين والناشطين السياسيين الجنوبيين ويفرضون عليهم الإقامة الجبرية داخل منازلهم فقد بينوا لنا بهذا التصرف أنه لم يعد للجنوبيين مكانة في دولة الجمهورية الحوثية العربية اليمنية.

برقيات:

* لو كنت محل الرئيس عبد ربه منصور هادي لتمسكت بالاستقالة وما انصعت لأي ضغوطات من أي كان، لأن التجربة أثبتت أن القوى الشمالية النافذة لا تريد رئيس يحترم نفسه ويؤدي عمله كما ينبغي بل تريد موظفا ضعيفا تستخدم شرعيته لتمرير ما تريد تمريره مما يخدم مصالحها كمراكز قوى متنفذة مهما تصارعت فيما بينها.

* قبول استقالة الرئيس من قبل البرلمان سيمثل خدمة جليلة للجنوبيين الذين يفترى عليهم بأنهم يحكمون البلد من خلال الرئيس ورئيس الوزراء بينما السلطة الحقيقية بيد مراكز القوى المختلفة.

* بيان اللجنة الأمنية في (إقليم عدن) يعبر عن حالة غيبوبة تعيشها السلطة المحلية، في (الإقليم) فهي تتمسك بوحدة اهترأت وتهتكت ولم يبق منها إلا الغشاء الرقيق الذي يحتفظ للحوثيين بالسيطرة على كل البلد، والبيان يعبر عن أن السلطة المحلية في (إقليم عدن) تعيش في عالم غير عالم المواطنين الجنوبيين وتأبى على نفسها شرف تبني موقف واحد منحاز إلى الجنوب وأبنائه.

* قال الشاعر العربي الفلسطيني الكبير المرحوم محمد درويش:

وجلستُ خلف الباب أَنظُرُ هل أَنا هُوَ؟

هذهِ لُغَتي وهذا الصوت وَخْزُ دمي ولكنَّ المؤلِّف آخَرٌ

أَنا لستُ مني إن أَتيتُ ولم أَصِلْ

أَنا لستُ منِّي إن نَطَقْتُ ولم أَقُلْ

أَنا مَنْ تَقُولُ له الحُروفُ الغامضاتُ:

اكتُبْ تَكُنْ واقرأْ تَجِدْ!

وإذا أردْتَ القَوْلَ فافعلْ

يَتَّحِدْ ضدَّاكَ في المعنى

وباطِنُكَ الشفيفُ هُوَ القصيدُ.

 

 أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)
أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)