سام الغباري

‏عندما تكتب عن علي محسن !

سام الغباري
الأحد ، ١٧ نوفمبر ٢٠٢٤ الساعة ١١:٠١ مساءً

‏كل حكاية عظيمة تحتاج إلى بطل يحمل ملامح الأمل رغم ثقله، يطل من صفحات التاريخ كنافذة على عوالم تتصارع بين الصواب والخطأ.

علي محسن، أكثر من مجرد رجل؛ هو فصل في رواية الجمهورية اليمنية، تلك التي ولدت بين فوهات البنادق، وحمتها الأرواح التي وقفت أمام رياح التغيير العاتية.

في كل مرة يُذكر اسمه، كأن الصراع يستعيد تفاصيله، والذاكرة تستحضر ملامح من صنعوا من ظلالهم حصونًا، ومن أصواتهم سياجًا للجمهورية.

‏وجهه لم يكن حاضرًا في المشهد اليومي، لكنه كان حاضرًا في صمته الذي حمل حكمة جندي يدرك خطورة الخطوات التي لا تُسمع.

حين تحدث عنه أحدهم ذات يوم، وصفه بميزان الجمهورية، جهاز كشف الكذب الذي كان قادرًا على رصد الوجوه التي تخفي نواياها خلف الأقنعة.

كانت كلماته تسبق الزمن، تلتقط من بين الحروف ما يُخفيه الآخرون في أعماقهم.

‏في لقاء عابر، وقف أحدهم أمام قبر صغير في ضوران آنس، متباهيًا بنسبه العنصري، محاولًا استفزاز الجمهورية بعبارة تحمل غرور التاريخ الذي يريد أن يعود.

نظرة واحدة من علي محسن كانت كافية لإسقاط ذلك الغرور، وكأنها حكاية تروي أن كل استعلاء يموت حين يقف أمام رجل يحمل في قلبه قضية وطن أكبر من الأسماء والأنساب.

‏لم يكن دوره محدودًا بحراسة حدود، بل بحراسة فكرة. حين تسللت الإمامة إلى مفاصل الدولة، وحين بدأ الحرس الجمهوري يتحول إلى سلاح لفرد لا لوطن، كان صوته يحذر، ويداه تقاتلان.

في كل خطوة، كان يدرك أن معركته ليست مع أفراد، بل مع فكرة استبدادية تتلون بأشكال عدة، وتختبئ في مفاصل السياسة والمجتمع.

‏حين دوى انفجار جامع النهدين في صنعاء، لم يكن مجرد صوت يتردد بين الجدران؛ كان إعلانًا بأن الزمن بدأ ينحرف، وأن الدولة تقترب من هاوية صنعها التآمر والغفلة.

كان علي محسن يرى المشهد كاملًا، يدرك التفاصيل التي تمر على الآخرين كأنها غبار عابر.

‏في حديث عابر، حين سُئل عن السعودية، رفع يديه كما لو أنه يحمل شيئًا ثقيلًا لا يُرى، وقال: "نحن عائلة، العائلة أهم شيء.

قد نخطئ، قد يخطئون، لكننا نُبقي الجسر قائمًا، لأننا إن سقطنا، لن نجد من يرفعنا." جملة بسيطة، لكنها تُظهر عمق فهمه للعلاقات التي تربط الأوطان، وتشابك المصالح التي تجعل العائلة غالبًا أشد حلفاء اللحظة المناسبة.

‏حين غاب عن المشهد، لم تكن اليمن وحدها التي فقدته، بل فكرة الجمهورية التي احتاجت صوته. خلفه، بدأت الأبواب تُغلق أكثر، وبدأت القرارات تُصنع في ظلام الغرف المغلقة.

‏علي محسن لم يكن مجرد رجل، بل كان فصلًا من كتاب الجمهورية، ذلك الكتاب الذي لم يُكتب بعد نهايته. لو كنت ملكًا أو رئيسًا، لما خلى مجلسي من رجل يحمل تلك البصيرة. لكنه اليوم يغيب، ويدعنا نتساءل: هل يمكن للأمة أن تجد من يحمل وزن الوطن كما فعل؟

‏في غيابه، يبقى أثره حاضرًا، كعلامة طريق ترشد من يبحث عن معالم الوطن في زحمة الصراعات. علي محسن ليس مجرد اسم، بل هو جزء من تاريخ لن يُنسى، ورمز لقضية لن تموت.

‏.. وإلى لقاء يتجدد

 أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)
أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)