أصدر البنك المركزي في عدن التابع للحكومة التي يُسيطر عليها الانفصاليون الساعين لتمزيق الجمهورية اليمنية، قرارا يُـلزم البنوك اليمنية بنقل مقراتها الرئيسية من العاصمة صنعاء، إلى مدينة عدن.
والهدف الفعلي لهذا القرار، تعزيز مدينة عدن لتصبح عاصمة سياسية واقتصادية للدولة الجنوبية المتخيلة، وفي نفس الوقت إضعاف الاقتصاد في المحافظات الشمالية وتجريدها من المؤسسات.
والشيء الأكيد أن هذا القرار سيؤدي إلى المزيد من التدهور الاقتصادي في كل اليمن، وتدمير ما تبقى من جهاز مصرفي في الدولة، لأكثر من سبب أهمها:
أولاً: أغلب أنشطة هذه البنوك تتم في مناطق سيطرة الحوثيين، وبما أن الحوثيين يعارضون قرار النقل، فإن من المحتمل أن يقوموا بإيقاف نشاط البنوك في المناطق الخاضعة لسيطرتهم. وسيؤدي ذلك إلى أضرار جسيمة بألاف المودعين والمتعاملين مع هذه البنوك في كل الدولة.
ثانياً: عدن مدينة مُسخ من الناحية السياسية؛ فهي ليست العاصمة المؤقتة للجمهورية اليمنية ولا هي عاصمة الدولة الانفصالية المتخيلة. وإجبار البنوك على نقل مقراتها إلى مدينة بهذه المواصفات، هو قرار خاطئ بكل المقاييس. فهذه المدينة تحكمها ميليشيات انفصالية بطريقة فوضوية، وتقوم بممارسات عنصرية، فعلية وضمنية، تجاه مواطني المحافظات الشمالية، كما أن مؤسسات إنفاذ القانون معطلة أو غير فعالة. وبما أن الأمر على هذا النحو، فإن "بنك عدن المركزي" لا يستطيع حماية هذه البنوك وموظفيها ولا تنفيذ قراراته. ولذلك، لا يمكن للبنوك أو الموظفين القادمين من المحافظات الشمالية العمل في مثل هذه البيئة السيئة.
ثالثا: "بنك عدن المركزي" هو عمليا تحت رحمة المليشيات الانفصالية، والتي تدخلت في أكثر من مناسبة في عمل البنك وأجبرته على اتخاذ قرارات لمصلحتها. وفي هذه الحالة فإن البنك لا يملك الشرعية القانونية أو الفعلية لأن يفرض قراراته، وبالأخص تلك القرارات التي تهدف إلى تقوية المشروع الانفصالي.
يضاف إلى ذلك، هذا البنك لا يملك سلطة حقيقية في معظم المحافظات، حيث أن سلطاته إما غائبة وممنوعة، كما هو الحال في مناطق الحوثيين أو أنها سلطات شكلية في بقية المناطق.
أكدت التجربة، في اليمن وغير اليمن، أن الاقتصاد في الدول الممزقة يعمل بشكل أفضل حين لا تكون هناك قيود أو إجراءات تنظيمية من قبل السلطات، التي تسيطر على بعض مناطق الدولة.
فهذه القرارات، في هكذا بيئة، تمنع التفاعل الاقتصادي الطبيعي، وتخلق قيود وعراقيل تفاقم التدهور الاقتصادي. فالعملة اليمنية لم تنهار مثلما حدث في لبنان، أو سوريا وغيرها من الدول، خلال فترة الحرب، رغم ضعف الاقتصاد اليمني قياسا بتلك الدول، ويرجع السبب في ذلك إلى قلة القيود المفروضة من هذه السلطة أو تلك وليس العكس.