أحد أكثر الأصدقاء الذين اشتقت لهم بلال أحمد، في رمضان كان لديه طقوس مختلفة. يبدأ فطورنا في سيارته؛ التمر والسنبوسة وربما معجنات أخرى. تتحرك سيارته في اللحظات الأولى للآذان. بينما هناك على الجولات أشخاص يوزعون التمر والماء للصائمين. وتلاحق السيارات المتبقية الزمن.
ثم دقائق وتلفظ الشوارع انفاسها، لتفرغ، بينما نطفو تلفحنا نسمات الهواء العذب. فقط لوحدنا ندور في الشوارع، وبعد لحظات يشعل بلال سيجارته. ونتحدث باسمين وكأنه لا حرب، وتمضي الحياة آخاذة في الغسق الذي يتشكل أمامنا،والهدوء يعم الأرجاء. ونادرا ما تمر سيارة.
اليوم قلت لصديقي، ما رأيك نفعل شيء كنت أفعله مع بلال. كانت السيارات مازالت تمر بكثافة غير مألوفة في السابق، انتظرنا قليلا قبل جولة الرويشان، نشرب الماء ونأكل التمر.
لكن الشارع ظل ضاجا، ولم يكن هناك أشخاص يوزعون التمر.
تحركنا،ربما دقائق وتلفظ الشوارع انفاسها، ليختفي الضجيج. ونطفو وحيدين باستثناء سيارات قليلة.
عبرنا تقاطعين، ولا شيء من ذلك. أصوات المحركات متحشرجة، وبوق يصدر هناك. شعرت بالأسى، ضحكنا بأن كل شيء تغير في المدينة. وفي التقاطع الثالث انعطفنا نحو منزله.
قلت في نفسي؛ الأشياء دائما تتغير، حتى المدن تشيخ. لكن ما حدث في صنعاء شيئ أكثر قسوة، ها هي مجردة من روحها، مشوهة الملامح، كما لو كانت مدينة تحتضر. حتى هباتها الصغيرة تنمحي، مطموسة بشرارة التجهم، بستارة بالية، كما لو كانت من الماضي.
قلت إذا عاد بلال، كان سيقول إنها ليست مدينتي التي أعرف. حتى طقوسنا الحميمة حظروها في قائمة من التابوهات وأفرطت في ابتسامة، نصفها مصطنع، لأؤكد ان هناك شيء لا يمكن أن ينزع منا؛ ستنبض الحياة غصباً حتى آخر لحظة، وأمسكت بحلم لملمته مخفيا إياه، إذ أن الأحلام مخيفة بالنسبة لأولئك المتجهمين، كعواء الأغاني الحزينة، وهي تترنح بعذوبة خلف ستائر النسيان. بينما تبقى صورة لمدينة تئن وحيدة وذاوية في مرايا عيوننا.
*من صفحة الكاتب على الفيس بوك