نقلا عن CNN.
أربعة أشهر مضت منذ أعلن المبعوث الأممي بدء سريان الهدنة، وتحديد بنودها المتفق عليها بين الحكومة الشرعية ومليشيا الحوثي المدعومة من إيران، والتي نصت على وقف العمليات العسكرية في مختلف الجبهات، والمضي في إجراءات متزامنة لتخفيف المعاناة الإنسانية عن كاهل اليمنيين.
وقد التزمنا في الحكومة بروح وبنود الهدنة الإنسانية منذ اللحظة الأولى، عبر وقف كافة العمليات العسكرية، وإعادة تشغيل مطار صنعاء الدولي لوجهتين: الأردن ومصر، والسماح بتدفق سفن المشتقات النفطية عبر ميناء الحديدة، تأكيدا لمواقفنا الثابتة والراسخة في دعم جهود التهدئة، وجديتنا في الوصول لسلام شامل وعادل ومستدام، سلام يحقن الدماء ويضع نهاية لمعاناة اليمنيين.
وخلال الفترة من 2 أبريل وحتى 22 يوليو تم تسيير 20 رحلة جوية بين صنعاء والأردن، ورحلتين جويتين بين صنعاء والقاهرة، استفاد منها أكثر من 10 آلاف مسافر، وكان بالإمكان ان يتضاعف الرقم لولا العراقيل التي وضعتها مليشيا الحوثي في هذا الملف برفضها اعتماد وثائق السفر الصادرة عن الحكومة الشرعية، وكل الخيارات التي طرحت لتسهيل حصول المواطنين عليها، بما في ذلك فتح مقر لمصلحة الجوازات في مطار صنعاء بالتنسيق مع مكتب المبعوث الأممي، وكذا فرضها رسوم إضافية على شركات الطيران وتذاكر السفر، وهو ما قابلته الحكومة بمزيد من التنازلات التزاما بمسؤولياتها تجاه المواطنين وحرصها على إنجاح الهدنة، رغم المخاطر المترتبة على اعتماد جوازات سفر صادرة عن مليشيا انقلابية، لأشخاص غير موثوقين وإمكانية منحها لأجانب، وعناصر إرهابية، ومخاطر ذلك على الأمن والسلم الدولي.
أما ما يتعلق بالمشتقات النفطية فقد بلغت عدد السفن الواصلة إلى ميناء الحديدة خلال نفس الفترة 26 سفينة بإجمالي كميات 720 ألف طن متري من مادة المازوت والديزل، بلغ حجم إيراداتها من الرسوم الجمركية والضريبية 150 مليار ريال يمني (273 مليون دولار بسعر صرف مناطق سيطرة الحوثي) كانت تكفي لتمويل مرتبات موظفي الدولة – بما فيهم مئات الآلاف من المدرسين - في مناطق سيطرة المليشيات الحوثية لستة أشهر تنفيذا لاتفاق ستوكهولم، الذي وقع عليه الحوثيون. أو توجيهها لتحسين الظروف المعيشية للمواطنين، إلا أن المليشيا واصلت نهب تلك الإيرادات وتوجيهها لتصعيد عمليات تجنيد الأطفال، وتمويل عملياتها القتالية التي يذهب ضحيتها المدنيين، ولصالح ما تسميه "المجهود الحربي".
وللأسف الشديد فقد قابلت مليشيا الحوثي الرسائل الإيجابية والتنازلات التي قدمتها الحكومة بمزيد من التعنت وعدم الوفاء بالتزاماتها عبر استمرار خروقاتها العسكرية لوقف إطلاق النار، وحصار تعز، ورفضها المقترح الأخير الذي تقدم به المبعوث الأممي حول فتح الطرق على مراحل، والذي أعلنه المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ بوضوح في إحاطته إلى مجلس الأمن 11 يوليو.
كما واصلت مليشيا الحوثي منذ بدء سريان الهدنة خروقاتها بمختلف أنواع الأسلحة في محافظات مأرب وتعز ولحج والضالع والحديدة، بمعدل 50 خرقا يوميا، وصعدت هجماتها الإرهابية على التجمعات السكانية والمدنيين، ونتج عن تلك الهجمات مقتل 81 وإصابة 331 آخرين.
التصعيد الحوثي بلغ ذروته في 23 يوليو عندما كانت قذائف الحوثي تتساقط على حي زيد الموشكي بمدينة تعز، والشظايا تخترق أجساد 11 من أطفال المدينة المحاصرة، لتصيبهم بجروح متفاوتة، وفي اليوم التالي كان الطفل البراء مراد الشريف 3 أعوام قد لفظ آخر أنفاسه متأثرا بإصابته في القصف.
الجريمة المروعة التي استدعت الإدانات من مختلف الأطراف الدولية لم تشر غالبيتها للحوثي صراحة كمسؤول مباشر عن الهجوم، كما أنها لم تدفعه لمراجعة سياساته، فقد استمر الحوثيون في هجماتهم الإرهابية على الأحياء السكنية، وشن هجمات على منطقة "جبل هان" في محاولة لقطع آخر شريان أسفلتي نحو المدينة.
ليس ذلك فحسب، فما تقوم به مليشيا الحوثي منذ إعلان الهدنة من نقل وتحشيد للقوات وتجنيد لآلاف الأطفال تحت غطاء المعسكرات الصيفية، واستحداث تشكيلات مليشياوية جديدة تحت مسمى "ألوية الدعم والإسناد"، وأنشطة عسكرية في المواقع الأمامية عبر حفر الخنادق والأنفاق وبناء المتارس وتعزيز التحصينات وتكديس السلاح في الجبهات، لا يوحي بأي نوايا حقيقية من طرفها للسلام.
هذا السلوك الحوثي لم يكن مفاجئا لليمنيين الذين اكتووا بنار هذه المليشيا التي ظلت تقتات على الدماء والحروب، منذ ظهروها في محافظة صعدة 2003، وتفجيرها ما عرف بـ"الحروب الستة"، وكيف ظلت تستغل الهدن وجولات الحوار لترتيب وضعها، وحشد الموارد البشرية والمادية والعسكرية استعدادا لجولة جديدة من الحرب، إضافة إلى سجلها الحافل بنقض العهود والمواثيق في كل دورات العنف التي فجرتها.
وبالنسبة لنا نحن اليمنيون، فإن هذه الحقائق ذات أهمية ويجب أن تؤخذ بجدية من قبل المجتمع الدولي. إن دور النظام الإيراني في إنشاء مليشيا الحوثي واستخدامها أداة لزعزعة أمن واستقرار اليمن وتنفيذ سياساتها وأجندتها التدميرية في المنطقة، لا يمكن تجاهله. وتواصل إيران تقويض الجهود التي تبذلها دول الخليج للتهدئة وإحلال السلام. إذا كان السلام الحقيقي والمستدام هو الهدف، فيجب على المجتمع الدولي وجميع أصحاب المصلحة الاعتراف بجدية بهذا التأثير والتوقف عن غض الطرف عن ممارسات ميليشيا الحوثي وجرائمها وانتهاكاتها ضد المدنيين، والدفع بشكل أعمى نحو طاولة الحوار دون إطار عمل قوي يتضمن ضمانات ومساءلة، ونظام مراقبة جاد مع ضوابط وتوازنات يضع المصلحة الفضلى طويلة الأجل لجميع اليمنيين في المركز بدلًا عن البحث عن مكاسب صغيرة.
والمطلوب من المجتمع الدولي تذكر لمسؤولياته القانونية التي تنص عليها مبادئ ميثاق الأمم المتحدة في حماية مبدأ سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها، ومكافحة الأنشطة الإرهابية، والحفاظ على الأمن والسلم الإقليمي والدولي، عبر تشديد العقوبات على النظام الإيراني لوقف تدخلاته في الشأن اليمني، وممارسة ضغوط حقيقية وفاعلة على مليشيا الحوثي بما في ذلك إدراجها ضمن قوائم الإرهاب الدولية وتجميد أصولها ومنع سفر قيادتها وملاحقتهم في المحاكم الدولية، ودفعها لفك ارتباطها المعلن بإيران، والانخراط بحسن نية وجدية في جهود التهدئة ومسار بناء السلام.
كل هذه نقاط عمل محتملة لم يتم النظر فيها بشكل كافٍ أو حتى مناقشتها بجدية في دوائر صنع القرار في المجتمع الدولي، الأمر الذي يطرح السؤال حول مدى التزام قادة العالم بإنهاء الحرب في اليمن إلى الأبد. إن وجود أولويات أخرى سواء على الصعيد المحلي أو الإقليمي لا يعفي قادة العالم من بذل كل ما في وسعهم لإحلال السلام في اليمن.
كما يقع على عاتق المجتمع الدولي مسؤولية تاريخية وأخلاقية في دعم نضال اليمنيين لاستعادة دولتهم والحفاظ على هويتهم، وعدم ترك اليمن فريسة للنظام الإيراني، وما لذلك من مخاطر كارثية على تغيير الهوية اليمنية المبنية على قيم الوسطية والاعتدال والتعايش بين مختلف المكونات السياسية والدينية والاجتماعية، والحيلولة دون تحول اليمن إلى بؤرة لتصدير الفوضى والإرهاب في المنطقة، وتهديد المصالح الدولية، والأمن والسلم الإقليمي والدولي.