لا تحتاج قصة الغدير إلى ذكاء لاكتشاف زيفها، فوظيفتها تؤكد زيفها. فوظيفة القصة؛ الإدعاء بأن هناك أمر إلهي يمنح سلالة علي ابن ابي طالب، أو بعضها، الحق الحصري والابدي بحكم المسلمين.
ومثل هذه الأوامر تتناقض مع فكرة الدين الإسلامي، كما أنها لم تُـطبق إلا في في بعض الأوقات وعلى أقلية صغيرة من المسلمين. وهي غير ممكنة عمليا؛ لأنها، وفق الرواية الزيدية، مفتوحة لكل الذكور البالغين من "البطنيين"، وهؤلاء، في الوقت الحالي، يعدون بالملايين، ومن ثم فإن من المستحيل أن يتفقوا فيما بينهم، طواعية، على من يمتلك الحق في الحكم دون غيره. فإذا كانت الأنظمة الملكية تعاني من صراع الأخوة على الحكم فكيف هو حال تنازع الحكم بين ملايين.
هذه القصة تمت في زمن سحيق، ولا توجد أي أثار مادية تؤكد صحتها، وما هو موجود، ليس إلا كتابات متناقضة تمت كتابتها، بعد مئات السنيين من التاريخ الذي تقول القصة أنه حدث فيها. والشيئ المهم أن هذه الكتابات لا زالت تـُنتج بصيغ جديدة، مع أو ضد هذه القصة، وستستمر هذه العملية في المستقبل. فقصة الغدير من قبل الحوثيين متحورة عن القصة التي كانت تقال في أزمان سابقة، وقصة، أو قصص، خصوم الحوثيين عن الغدير متحورة عن ما كان يقوله الرافضين لها في تلك الأزمان.
يقول بعض علماء التاريخ؛ أن كل التاريخ البشري، إما قصص مختلقة أو محورة، ولا وجود للقصة الحقيقية. فالقصص التاريخية، وبالتحديد التي لها تأثير على الزمن اللاحق لها، تُختلق أو تحور، وما يتناسب مع الزمن اللاحق. بمعنى آخر؛ حين تكون هناك مصلحة لجماعة ما في زمن ما، من قصة معينة حدثت، أو ربما لم تحدث، في التاريخ القريب أو البعيد؛ فإن هذه الجماعة/الجماعات، تقوم باختلاق هذه القصة إن لم تكن موجودة، أو إعادة صياغتها وبما يتناسب مع مصلحة هذه الجماعة أو معارضيها، في حال كان هناك قصة متداولة.
ولا ينفع توفر السند والأدلة أو المنطق في تأكيد صحة القصة لمن لا يؤمنون بها؛ كما أنه لا ينفع توفر السند والأدلة والمنطق لنفي القصة لمن يؤمنون بها. ولنا في الوقائع الحالية مثلا صارخا على ذلك؛ فإذا أخذنا الحرب في اليمن، أو في أوكرانيا، كمثال لوجدنا أن هناك سرديات متعددة لكل الأحداث، بما في ذلك الأحداث التي وثقتها عدسات الكاميرا، أو الوثائق المكتوبة أو المسموعة. ومع ذلك؛ كل طرف يخلق لنفسه سردية تخدم مصلحته، والغالبية العظمى من أنصار هذه كل طرف ستقتنع بالسردية التي قيلت له من الطرف الذي يتبعه. والنتيجة أن القصة الحقيقية، ستبقى إما غائبة أو مختلف حول صحتها.
من غير المجدي التصدي لقصة الغدير الزائفة، وغيرها من الخرافات، التي تكون مصدرا للحصول على السلطة والثروة، عبر القول بأن هناك قصة صحيحة مخالفة بسند صحيح؛ فهذه الوسيلة تستخدم نفس أدوات القصة المراد نفيها. والنتيجة الدخول في جدل عقيم يستحيل أن يُـحسم لصالح أي طرف. والأكثر جدوى هو تنوير الناس كي يفكروا بطريقة علمية، من خلال التشكيك في كل الأحداث التاريخية، ورفض إي فكرة تتناقض مع العقل، وتكون وظيفتها مصلحة فئة أو أشخاص، ونزع المقدس منها.