لا تحدث جريمة كهذه وبهذا البرود الفج في بيئة يحكمها ولو جزء من القانون وهيبة الدولة وقيم المجتمع..
ما هَيئ لهذه الجريمة أن تكون ..
هو سلوك العصابة الحوثية التي صفعت الدولة.. وجَلدت الحياة اليمنية بالسياط.. واعتقلت الوطن في غرفة طائفية مظلمة قميئة ..
لم يكن لهؤلاء المجرمين أن يمارسوا كل هذه البشاعة وهذا القتل البطيء بأدوات حقيرة ليست للقتل بل للقهر، في بلد السلاح والعجلة والغضب المتفجر ؛ إلا لأن نفوسهم قد تغيرت، مثل نفوس الكثير من الناس، فما جلبته المليشيا النزقة من أساليب الإهانة والتعذيب والقتل والإذلال اليومي الذي يواجهه اليمنيون كل يوم وتنساه الذاكرة، كل هذه الأساليب جاءت من خارج القيم اليمنية، وغريبة على العنف اليمني الذي نعرفه.. أياً تكن الجريمة.. وأياً كانت صلة المجرمين بالأمن أو لا..
هي قضية جنائية حتى الآن.. لكنها استمدت عنفوانها من الجرم الأكبر، ووحشيتها من الوحوش الأولى، ولبست ذات الرداء الذي يلبسه الحوثيون ويعذبون به الناس، وسياط الجريمة هي ذات السياط التي تلسع أظهر اليمنيين كل لحظة.. هذه الجريمة شاءت الأقدار كشفها..
لكشف مستوى القذاعة في النفوس، وإلا فإن جرائم كثيرة تجري تحت الظلام في صنعاء وغيرها، ولو كان تسرب خبر مقتل الأغبري على يد عصابة ما، وحمل الخبر كل أوصاف البشاعة دون هذه الفيديوهات.. لما كان الخبر قد بقي على وسائل التواصل دقائق معدودة .. ألسنا نقرأ يومياً مثل هذه الجرائم..ثم ننام؟ ما ينبغي فهمه من هذه الجريمة المنسلخة من كل القيم، أن مستوىً من العنف النفسي صار كالوباء في نفوس اليمنيين، وأن كثيرًا من الناس تحولوا لذئاب تلهث بالدم، حولتهم إليها منظومة القهر الحوثية بشكل مباشر أو غير مباشر.. أليست تمارس هذه البشاعة بشكل رتيب؟ وتزرعها وتسقيها؟
على الجانب الآخر.. نجد مستوى من الهوان والضعف اليمني والعجز وانكسار النفس لم نشاهده من قبل ..ليس الأغبري إلا مثالاً موجعاً على ذلك، وكيف كان مسلوب الإرادة والمقاومة أمام هذه الذئاب، هذه الحالة ليست فريدة أو نادرة، إنه وجع عام وانكسار مجتمع بأكمله، وهذا الحد من المقهورية والاستسلام رعته وأرادته هذه المليشيا كل حين في نفوس الناس . ما أقوله ليس تنجيماً ولا هو كما يقال اصطياد في الماء العكر، نحن في العكر نفسه يا قومنا، وإلا فلتفسروا كيف تحول المجرم إلى هذه الحالة من السادية والتلذذ اللزج .. وكيف تحول الضحية إلى هذى المدى من القهر وشلل القدرة والعجز...
أليست هذه كلها نتيجة التهديم المتعمد للقيم اليمنية والكرامة والهيبة، ونتيجة الرعب الذي بثته مليشيا الحوثي من تفجير المنازل بالمفخخات إلى نهب الجيوب بالقوة ؟
إن تهديم قيم المجتمع اليمني والنفس اليمنية جرت منذ أول لحظة بدأت فيها المليشيا بتهديم الدولة اليمنية ومؤسساتها مهما كانت فاسدة ومهترئة، فالدولة لها هيبة مهما يكن، والقبيلة لها سطوة مهما يكن .. وقد أتت المليشيا عليهما فاسقطتهما، وبقي سوطها وساديتها وإذلالها للحياة اليمنية.. وما هذه الجريمة إلا تعبيراً كاشفاً عن هذه الثقافة والذهنية التي تتحكم الآن.
وللذين سيغضبهم هذا الربط.. عليهم أن يراجعوا أولاً قواعد علم النفس والسلوك، ونظريات علم الاجتماع، وكما قيل قديماً: الناس على دين ملوكهم، والمعنى العميق لهذا القول أن سلوك الناس وتصرفاتهم تصطبغ بسلوك من يحكمونهم ويملكون قرارهم.. وما يفعله الناس من سوء أو خير هو إنعكاس لسوء أو خير من يتحكمون بهم ! ستبقى الجريمة بهذا المستوى وأبشع في المجتمع اليمني، طالما بقيت منابعها وأدواتها وسلطتها وثقافتها وأساليبها .. والأيام بيننا ..
*نقلا عن صفحة الكاتب على الفيس بوك