حتى لحظة كتابة هذه السطور لم تعلن كل من اليمن وسوريا وليبيا عن أية إصابات لديها بفيروس كورونا. نسأل الله تعالى أن يحفظ شعوب الدول الثلاث وشعوب الدول الأخرى التى لم تظهر لديها حالات، وأن يحفظ مصرنا وشعبها الطيب. لكن يبقى أن خلوّ البلاد الثلاثة التى تعيش منذ عدة سنوات حالة فوضى واضحة مسألة تستحق الملاحظة والتأمل والبحث عن أسباب مفسِّرة لذلك.
هل المسألة ناتجة عن محدودية الاحتكاك بأجانب؟ قد يكون. فمؤكد أن كثيراً من الأجانب يفكرون عدة مرات قبل السفر إلى هذه الدول بسبب ما تشهده من صراعات عسكرية ونزاعات سياسية لم تتوقف منذ عدة سنوات. وتشير التقارير الطبية المفسّرة لانتشار الفيروس إلى أن الاحتكاك بأجانب يعد أحد أسبابه، يضاف إلى ذلك أن اشتعال شوارع المدن داخل الدول الثلاث بالمعارك يؤدى إلى إحجام الأهالى عن النزول والاحتكاك، مما يقلل فرص انتشار العدوى حتى فى حالة وجود بعض الحاملين للفيروس.
الحكومات الرسمية -أو الفعلية- داخل الدول الثلاث أعلنت أنها اتخذت العديد من الإجراءات الوقائية والحمائية فى مواجهة انتشار الفيروس داخل دول مجاورة لها. فى ليبيا تم إغلاق جميع الموانئ البحرية والجوية، وفى اليمن تم تعليق الرحلات الجوية، وفى سوريا تم تعليق الدراسة بالمدارس والجامعات ومنع «الشيشة» فى المطاعم والمقاهى.
ولا خلاف على أهمية هذه الإجراءات ككل، لكن ما يجعلها فاعلة أكثر مما هو الحال بالنسبة لشعوب أخرى أن أبناء الشعوب الشقيقة فى الدول الثلاث تعلموا من المحن التى عاشوها عبر السنوات الماضية أن يجتهدوا فى الحفاظ على أنفسهم قدر ما يستطيعون، لأنهم يعلمون أن الأنظمة الصحية المتاحة ببلادهم تعيش حالة يرثى لها بسبب الصراعات العسكرية التى ضربتها، وبالتالى فليس أمام مواطنيها سوى الامتثال للإجراءات الاحترازية حتى لا يواجهوا ما لا تحمد عقباه، لا سمح الله. لعلك تابعت وباء الكوليرا الذى ضرب دولة اليمن منذ عدة شهور وأودى بحياة الآلاف وأصاب مئات الآلاف من السكان. وقد خمد وحده كما بدأ وحده.
قد يقول قائل إن من الوارد أن تكون هناك حالات إصابة داخل هذه الدول لكن لا يعلن عنها. وهو قول صحيح نسبياً خصوصاً إذا أخذنا فى الاعتبار أن منظمة الصحة العالمية أعلنت قبل يومين عن قلقها من احتمالية وجود حالات إصابة بكورونا متكتم عليها بالمناطق التى تسيطر عليها المعارضة السورية، لكن لم يتحول القلق إلى حقيقة حتى الساعة، وفى واقعنا الحالى ليس من السهل أن تتكتم أى دولة على مثل هذا الأمر.
فالفيروس أصبح هماً دولياً ومنظمة الصحة العالمية تتابع الأوضاع داخل الدول المختلفة عن كثب.
حتى اللحظة الحالية ليس هناك علاج لكورونا سوى محاصرة انتشاره. فمَن شفى منه شفى بإرادة الله وبالرعاية الطبية التقليدية، وليس بدواء محدد تم ابتكاره فى التحصين ضد الفيروس أو فى العلاج من الإصابة به. لذا فعلى الدول العربية التى وقاها الله غائلة كورونا أن تصون نفسها قدر ما تستطيع. أما الدول التى ظهرت بها حالات فليس أمام شعوبها سوى الالتزام الصارم بكل الاحتياطات الممكنة والامتثال لفكرة العزل وعدم الاحتكاك حتى ينكشف هذا الخطر عن بلاد الله. وقى الله مصر وأهلها كل مكروه وسوء.
*نقلاً عن صحيفة الوطن المصرية