اجتمعت قيادات من المؤتمر الشعبي العام محسوبة على إنتفاضة الثاني من ديسمبر في إحدى العواصم العربية مع قيادات جنوبية محسوبة على حزب الإصلاح وبعض قيادات من الانتقالي واتفقوا على إسقاط حزب الإصلاح . انضم إلى هذا الاجتماع إحدى قيادات المؤتمر المتحالفة مع الحوثي والقادمة من صنعاء وبعض الذين لهم ثأر مع الحوثي .
هذا الاتفاق يصب في خانة التحرش ويحرف بوصلة الصراع ويقلل من حجم المؤتمر ومكانته المحلية والدولية، علاوة على أنه قد يفسر أنه ضوء أخضر من الإمارات بمواجهة مع الإصلاح . يحملون الإصلاح كل الشرور التي حلت بالوطن، مع أننا لا ننكر أنه يتحمل جزءا منها، لكننا لم نسمع من هؤلاء المطالبة يوما ما بتشكيل حكومة شراكة مثلا أو إصلاح الشرعية، لأنهم بكل بساطة لا يريدون تحمل تبعات الهم اليمني .
هذه القيادات كانت على رأس الحزب سياسيا وعسكريا حينما خاض ستة حروب مع الحوثي . وكانت على رأسه حينما تحالف مع الحوثي وفق فقه الضرورة والواقعية السياسية . وكانت على رأس الحزب حينما قتلت عصابة الحوثي الرئيس السابق رئيس المؤتمر الشعبي العام واختطفت جثته في سابقة لم يسبق إليها أحد . ومع ذلك هي اليوم تقحم نفسها في الصراع الإقليمي وتتعاطى مع حزب الإصلاح على أنه العدو رقم واحد وتتسامح مع الحوثيين .
حزب الإصلاح إتفقنا معه أو اختلفنا هو حزب مسجل في لجنة الأحزاب اليمنية بشكل رسمي، يؤمن بالجمهورية والوحدة . وهو في نهاية الأمر ليس الزنداني ولا صعتر ولا توكل ولا الحزمي . إنه حزب كبير يمتد بامتداد اليمن له سلبياته وله إيجابياته .
لن نجادل في المقولات التي تتهم الإصلاح بأن في داخله جماعة أرتكبت أخطاء ولن نختلف مع الآراء التي تقول بأنه استحوذ على الشرعية، ولكن ما يمكن أن نجادل فيه هو عمليات الشيطنة التي تمارسها دولة الإمارات وإعلامها ضد هذا الحزب الذي كانت شريكة معه منذ بداية حرب إعادة الشرعية .
من الواضح أن العدو الأساسي والرئيسي لقيادات المؤتمر التي تدعي أنها مع الثاني من ديسمبر لم يعد الحوثي، بل حزب الإصلاح، وهذا أمر مؤسف بكل المقاييس، وغير مسبوق في تاريخ المؤتمر، حتى في عهد صالح الذي نجا من محاولة اغتيال أتهمت فيها عناصر من حزب الإصلاح . لم يقدم على مثل هذه الحدة في العداء .
هذه القيادات التي تسمى قيادات الخارج بعد أن ألتقت سرا في إحدى العواصم العربية ستطير إلى عاصمة عربية أخرى ومعها قيادات من الحراك والإصلاح الجنوبي جميعهم يعملون لصالح دولة الإمارات . إذا كنا نتهم بعض الإصلاحيين بأنهم يعملون لصالح الدوحة، فكيف نقبل أن نعمل لصالح أبو ظبي ؟
نشعر بالألم والحزن والمرارة في هذا التوجه الذي يصب في مصلحة الحوثيين الذين يكسبون دوما من خلافات الآخرين . المجتمعون تمنوا سقوط مأرب ليتشفوا بالإصلاح، لكنهم لا يدركون أن ذلك سيكون على حساب مستقبل الجمهورية والوحدة.
إنكسار الإصلاح في مأرب ربما تشفي غليل بعض قيادات المؤتمر وربما بعض القواعد التي تكن العداء وتتطلع للانتقام من الإصلاح، ولكنها لن تصب في مصلحة الجمهورية والوحدة والاستقرار في نهاية المطاف، لأن القيادي الذكي والمسؤل الذي يحب بلده، ويريد إخراجها إلى بر الأمان لا يجب أن تحكم قراراته النزعة الانتقامية الثأرية وإنما العقل والتسامح وكضم الغيض والعمل على مزيد من الإصلاحات وتجاوز الأخطاء، وتقليص الخسائر إذا لم يستطع منعها أو تجنبها .
صدمنا كثيرا أولئك الذين لهم ثأر مع الحوثي أنهم كانوا حاضرين هذا الاجتماع . مصدر الصدمة ليس فقط التأييد لمعاقبة الإصلاح وإنما لأنهم يساعدون الحوثي في مصادرة الجمهورية إلى مالا نهاية . لم يستفيدوا من الماضي الذي مكن الحوثي من إلتهامهم جميعا بسبب خلافاتهم المجانية .
لم نكن مطلقا مع تصرفات حزب الإصلاح تجاه المؤتمر، أو تسيير الشرعية بتلك الطريقة، ولكننا قطعا لن نقف في خندق أي دولة إقليمية تريد تصفية مشاكلها الإقليمية على حساب قضيتنا الوطنية، خاصة إذا كانت هناك رغبة من حزب الإصلاح لتصحيح هذه الأخطاء . ولا نشك مطلقا في أن الرغبة موجودة، والدعوات التي أطلقت مؤخرا خير شاهد على ذلك .
لست بحاجة للتأكيد أن الجمهورية أمام إمتحان خطير، يستدعي من الإصلاحيين والمؤتمريين أن يقفوا في صف الوطن ولا ينجروا بعد أشخاص أصبحوا أدوات في الصراع الإقليمي هنا وهناك على حساب القضية الوطنية . وعلى قيادات حزب الإصلاح المؤمنة بحق الشراكة أن تدعو إلى سرعة تشكيل حكومة تتكفل بإعادة الوضع إلى مساره الطبيعي . علينا أن نتنازل لبعضنا لكي نكسب الغد . ولا نجري وراء أحقادنا التي ستجعلنا نخسر كل شيء .