لا يشغلني شيء من شؤون العالم الآن كما يشغلني حال الصين وما حققته في سنوات قليلة من تطور مدهش على أكثر من صعيد، في حين بقينا نحن في مكاننا، إن لم نتأخر حقاً، وهو أمر محيرٌ للغاية. لقد تمكنت الصين في السنوات الماضية –كما سبقت الإشارة- أن تحقق هذا الإنجاز العظيم بعد أن كانت ممزقة الأجزاء خاضعة لاحتلال مباشر وغير مباشر. بينما ظللنا نرسف في أغلالنا المنظورة وغير المنظورة، ونراوح في مكان واحد كأننا شعبٌ من الجماد لا من البشر. وكما لنا في الصين نموذج مهم ولافت، فقد كان لنا كذلك في الدول المتقدمة نموذج آخر يغري بالتطور ويبعث على الرغبة في الحركة ومحاربة الجمود. لكن ما يؤسف له أن كل هذه المغريات تتبدد في الهواء ولم يحدث أي تغيير يذكر في حياتنا الراكدة. لقد شغلني، كما شغل كثيراً من البشر في الشرق والغرب، وجعلني أتوقع بين وقت وآخر أن يحدث التأثير المطلوب، إلاَّ أن ذلك لم يحدث، ولا يعلم إلاَّ الله وحده متى نبدأ بتقليد من سبقونا إلى المتغيرات. وقد يظل ويبقى ذلك هو حالنا لغياب الإرادة الفاعلة والرغبة الأكيدة في الانتقال من حال إلى حال. إن الشعوب لا تتغير من خارجها ولا تتقدم إلاَّ إذا وجدت الدافع الداخلي، وذلك بالإمكان رغم كل المعوقات الراهنة التي يمكن تجاوزها والعبور عليها. هل علينا أن ننتظر أكثر مما انتظرنا وأكثر مما نستطيع؟ ذلك سؤالٌ الإجابة عليه في الفعل المنتظر، والذي بدونه تبقى حياتنا جامدة خامدة. ولا مناص لنا من الحركة والخروج من دوائر التخلف لنتمكن من الالتحاق بشعوب الأرض التي كانت تعاني مثل ما نعانيه الآن، وتواجه من التحديات ما نواجه نحن أيضاً. وما لا خلاف عليه، أن للتغيير تبعاته وتكاليفه وقد آن لنا أن نقدم تلك التكاليف دون تأخير. يقول العاجزون إنه لم يعد في إمكاننا تجاوزها ما نعاني منه، وهو زعم مرفوض ولا يقوم على أي أساس، ذلك أنه في مقدورنا، إذا أردنا التطور، أن نحقق ما نريد، وأن نواجه بصبر كل التحديات التي تقف على طريق هذا التطور، وأن نبدأ الآن ما نرغب فيه، خير من أن نبدأه بعد وقت، قد يطول وقد يقصر.