كثر الحديث مؤخرا عن تقارب "حوثي – إصلاحي" وشيك، غذى ذلك تصريحات أطلقها ناشطون محسوبون على "التجمع اليمني للإصلاح"، وجماعة الحوثيين أيضا، فهل يمكن فعلاً حدوث تحالف بين هذين الخصمين اللدودين؟
بداية لا بد من الإشارة إلى المصادر أو القنوات التي روجت أو تسللت عبرها مسألة التحالف الوشيك بين الإصلاح والحوثي، ولا بد أيضا من ربطها ببعض الأحداث السابقة، لعلنا بذلك نميط اللثام عن بعض الخيوط الهامة التي قد تجعل من الإستنتاج منطقياً ومقبولاً على حدٍ سواء.
ما من شك أنه بات لحزب الإصلاح خصوم في جبهة التحالف الداخلي والخارجي المناوئ للحوثيين، لا يقلون عداوة لهذا الحزب عن عداء الحوثيين له، وفي المقدمة الحراك المطالب بالانفصال، وكذلك ناشطين وإعلاميين لهم مواقف مناوئة من جماعة الإخوان المسلمين التي يتعاملون مع الإصلاح كامتداد لها، بعض هؤلاء يعتقد أن عداءه للإخوان هو بمثابة الصك الذي سيجعله مقبولاً لدى بعض الأطراف الإقليمية.
عزز حكاية "التحالف المزعوم"، بعض التصريحات التي يعتبرها البعض "نشازاً"، كونها صادرة عن بعض الناشطين المحسوبين على حزب الإصلاح، وكذا على جماعة الحوثي، وأبرز أولئك هي الناشطة النوبلية توكل كرمان.
وبالنسبة للحوثيين، فقد وردت إشارة لمثل هذا التحالف المزعوم، على لسان بعض الناشطين والإعلاميين كالعماد، والأملحي، فضلا عن وجود إشارات أطلقها حسين العزي، نائب وزير الخارجية في حكومة الإنقلابيين، لكن، وبحسب متابعين فإن كل تلك الإشارات والرسائل الحوثية، لا تعدو عن كونها محاولة للتشكيك بهدف خلخلة التحالف الوطني لمواجهة الإنقلاب، أي أنها كما يقولون مجرد محاولة للاصطياد في المياه العكرة.
لكن ما هي فرص حدوث مثل هذا التحالف ؟ وهنا لا بد من استعراض مسألة تاريخية مهمة، قد تكون مدخلاً مناسباً للحديث عن مثل هذا التحالف المزعوم، فالحوثيون، بلا شك يستندون مذهبياً إلى المذهب الزيدي، وهو المذهب الذي امتطاه الحوثي ليحقق به السيطرة كما درج على ذلك الأئمة منذ أكثر من ألف عام، والمذهب الزيدي، والحوثيون أيضاً، يرون أن الإخوان، عدوهم اللدود عقائدياً، فهم يعتقدون أنهم ساهموا في استهداف المذهب الزيدي منذ ثورة 26 سبتمبر ، وأنه غزا مناطق شمال الشمال، بالفكر "الإخواني السني" القريب من الوهابي، بل إنهم يعتبرون فكر الإخوان، فكراً وهابياً، ولا نحتاج هنا للحديث عن حجم عداء الحوثيين بالذات للفكر الوهابي.
بعد هذا، لا بد من الإشارة، إلى أنه مثلما أن الحوثي جماعة تمتلك أيديولوجيا، ذات خلفية دينية، فإن الإصلاح، أيضا يمتلك أيديولوجيا إسلامية، تناقض تماما الأيديولوجيا الحوثية التي ترى الحق في الحكم لمن هو من البطنين فقط، بينما الإصلاح يؤمن بالشورى، ويؤمن بالديمقراطية، ويحتكم للصندوق، ولا يستند إلى التميز السلالي الذي يعتبر مسألة جوهرية في الفكر الحوثي.
كما لا بد من الإشارة إلى أن حزب الإصلاح كان الهدف الرئيس للحوثيين منذ اليوم الأول لانقلابهم، سواء في الدولة من خلال إسقاط الحكومة التي كان يشارك فيها، أو من خلال استهداف المؤسسات الدينية والتعليمية، والثقافية، والحزبية، للإصلاح، بل وصل الأمر حد استهداف قياداته، بالقتل والإعتقال والإخفاء، وصادروا منشآت ومنازل ومؤسسات، فلم ينل حزب من الدمار والاستهداف على يد الحوثيين كما ناله حزب الإصلاح، حتى المؤتمر بعد ديسمبر 2017، لم يحدث له ما حدث للإصلاح ولا يزال يحدث حتى اليوم.
ومن زاوية أخرى، لا بد من الإشارة إلى أن الرسائل والغزل الحوثي المتكرر مؤخراً لحزب الإصلاح، إنما هو انعكاس لإدراك الجماعة للثقل الذي يمثله الإصلاحيون في المعركة، فهم يواجهون الإصلاحيين في أغلب الجبهات، وخبروا قدرتهم العسكرية، وقوتهم البشرية المؤهلة عقائدياً لخوض معركة استراتيجية لفترات طويلة، يدرك الحوثيون أن الإصلاح هو أكبر عقبة فعلية أمام انتصار مشروعهم الإنقلابي، لذلك يطمعون في الإتفاق معه أو تحييده، لكن الإصلاح لا يملك أي سبب أو مصلحة في تحقيق مثل هذا التقارب.
وبالتالي، فإن الحديث عن تحالف "حوثي – إصلاحي"، ما هو إلا قنبلة صوتية ألقاها البعض للرد على الحملات التي ينخرط فيها ناشطو الإصلاح بقصد أو بدون قصد، ضد أطراف إقليمية مشاركة في التحالف، كالحملات الحاصلة في الجنوب، والمهرة وتعز وغيرها، أي أن الحديث عن تحالف الإصلاح مع الحوثي، ربما يأتي رداً على تبني الإصلاح للحراك الحقوقي في عدن، ضداً علي عمليات الإخفاء القسري والسجون السرية.
لكن باعتقادي أن عوائق حدوث مثل هذا التحالف، أكثر بكثير من أي احتمال لحدوثه، بل لا أجد سبباً واحداً منطقياً، يمكن على أساسه الحديث عن إمكانية حدوث مثل هذا التحالف.
* نقلا عن المصدر أونلاين