د.عمر عبد العزيز
عند الصينيين اللون الأبيض ليس بأبيض.. والأسود ليس بأسود!!، وكل لون، أي لون، وذاته وليس بذاته!!..
ويعتقدون أن كل لون يتدرّج حتى تنتفي كينونته الأولى، فالأسود يمكنه أن يتحوّل إلى لون آخر بالتدريج ، وهذا ينسحب على بقية الألوان!.
هذه النظرية اللونية تنسف من الجذور كامل المذاهب اللونية الأوروبية وما سبقها؛ لأنها تعتقد أن اللون ليس إلا ترجماناً للطبيعة.. والطبيعة بحسب فلسفة «التاو» الصينية وعاء يتسع لكل شيء ولكل لون ، ويرى أنصار هذه الفلسفة أن الماء والهواء هما أصل عناصر الطبيعة وكلاهما يكتسب ألوان المواد الأخرى ، وكلاهما قابل للانسياب في كلّ الأوعية.
وفي القرآن الكريم تأكيد بأن الماء أساس الحياة، قال تعالى:«وجعلنا من الماء كل شيء حي» صدق الله العظيم.
تلك الرؤية الصينية التي أشرنا إليها ليست فيزيائية فقط، بل إنها فلسفية تعتمد على نظرية التحوّل المطلق والتدرّج الدائم والانسياب الذي لاينقطع.
وما كان للعقل البرهاني الأوروبي أن يستوعب بسهولة مثل هذه الرؤية الصينية، خاصة وأن البرهان الأوروبي يستند على العلم الصرف ولايرى أبعد مما تقدّمه المختبرات وتراه الأعين وتلمسه الأيدي، وتلك هي المفارقة الأساسية بين الشرق البعيد والغرب الأوروبي.
أما بالنسبة لنا - نحن العرب - فإننا بين الطرفين نتذبذب، فيما نميل كثيراً إلى المدرسة الأوروبية؛ لأنها مدرستنا العصرية بامتياز، لكننا نحتفظ في عوالمنا الداخلية بوشائج تجرُّنا إلى ذلك العمق المشرقي البعيد، غير الغريب على كثير من أسماء تاريخنا العامر بالعلماء والمجتهدين أمثال الفارابي.
نقلاً عن صحيفة الجمهورية