لا أسوأ من الحرب بالنسبة لنا نحن أبناء تعز إلا التلوث الذي يقتلنا -حقيقة- بصمت، وكأن الموت نتيجة القصف أو الألغام والرصاص غير كافي.
زاد التلوث بشكل كبير في تعز أثناء الحرب، نتيجة لانتشار مياه الصرف الصحي بالشوارع، وبسبب قطع الطرق، الذي جعل رمي القمامة في الأماكن المخصصة لها خارج المدينة صعبا.
وأصبحنا نعيش في مدينة تمتلئ فيها أماكن تصريف مياه الأمطار بالقمامة التي تتعفن مالم يأتي المطر ويخفف معاناتنا نحن السكان، ويؤدي تراكمها إلى انبعاث الروائح المزعجة كما تتجمع حولها الحشرات.
وكذلك مياه الصرف الصحي التي تكون كارثية أكثر حين تأتي الأمطار ويخرج الناس للمشي في الشوارع حفاة الأقدام، وتكون مياه الصرف الصحي قد اختلطت بالمطر، ويصبح المواطن وخاصة الأطفال عرضة لكثير من الأمراض.
وكما هو معروف يقوم المواطنين بالتخلص من القمامة غالبا بتجميعها وإحراقها، في أحيائهم أو في أماكن تجمعها، وهو ما يؤدي إلى انتشار الدخان على نطاق واسع، ويتسبب بالكثير من الأمراض.
الكثير من الحالات بشكل دائم تأتي إلى المستشفيات نتيجة الإصابة بالتلوث بسبب الأكل في الشوارع التي تنتشر فيها الذباب وغيره، ويصاب الكثيرين بالتيفوئيد، وكذلك انتشرت كثيرا أمراض الجلد، وأمراض الجهاز التنفسي خاصة بسبب الدخان المنبعث من إحراق القمامة، ويتعرضون للتحسس الذي يزداد حدة في مثل هذه الظروف.
لقد أدى انتشار القمامة ومياه الصرف الصحي إلى انتشار البعوض بشكل كبير، خاصة في مواسم الأمطار، فأصيب أكثر من ألفي شخص بحمى الضنك التي تسببت بوفاة 9 أشخاص.
ونالت الكوليرا كذلك من مئات المواطنين ، خاصة مع ارتفاع نسبة آبار المياه الملوثة بتعز، برغم أنه تم معالجة ذلك الأمر وتوقف تفشي الوباء، إلا أنه عاد مجددا للانتشار في بعض المحافظات الأخرى بينها الحديدة.
منظمة الصحة العالمية تحذر من خطورة تلوث الهواء الذي قتل خلال عام 2016 (600 ألف طفل) تحت سن الخامسة عشرة، وبالتأكيد بينهم أطفال من بلادنا التي تنتشر فيها الكثير من الغازات التي تتعدد مصادرها لكن أبرزها في الوقت الراهن الأسلحة المستخدمة في الحرب.
مخاطر التلوث يصعب حصرها في مقال كهذا ونحن لم نركز سوى على بعضها فقط، لكن ما نرجوه من الجهات الحكومية وتحديدا المنظمات الدولية والمحلية، هو دعم القطاع الصحي بتعز بشكل أكبر ليستطيع تقديم الخدمات الطبية التي يحتاجها المريض على أكمل وجه، وليتمكن المرضى في ظل الفقر الذي تتسع دائرته من الحصول على العلاج بدلا من الموت بسبب عدم قدرته على زيارة الطبيب وشراء العلاج.
والأهم من كل ذلك، هو ضرورة إيجاد حلول جذرية لمشكلة التلوث التي تعاني منها المحافظة، على الأقل يتم معالجة موضوع مياه الصرف الصحي وتكدس القمامة، والتي من شأنها الحد من الإصابة بكثير من تلك الأمراض التي يمكن الوقاية منها، وبالتالي يمكن الاهتمام بشكل أكبر بباقي الأمراض والجرحى الذين يسقطون بسبب استمرار هذه الحرب.