تخوض الدول الحروب من أجل مصالح وأجندة تتعلق بأمنها القومي، أو من أجل السيطرة والنفوذ الجيوسياسي على الأقل..
والحرب في اليمن واحدة من تلك الحروب التي لا يمكن أن تشذّ عن هذه القاعدة، فالسعودية والتحالف دخلوا في هذه الحرب من أجل أمنهم، وسلامة أراضيهم ومواطنيهم، إلى جانب الحفاظ على نفوذهم الطبيعي في اليمن، كوننا جيران لهم، ومن ثم استجابةً لدعوة الرئيس عبد ربه منصور هادي...
السعودية، ستواصل الحرب، إلى المرحلة التي تصل فيها مخاطر استمرارها إلى نفس مستوى مخاطر وقفها، حينها ستبدأ بالبحث عن حلول، وإذا تفوقت مخاطر الاستمرار على مخاطر وقف الحرب، سيوقفونها حتما، حتى وإن لم يُهزم الحوثي..
الخطأ كل الخطأ الاتكال على الدور الخارجي إلى الدرجة التي تجردنا من قدرتنا على مواصلة النضال منفردين.
أدرك هذه الحقيقة، الرعيل الأول من ثوار 26 سبتمبر، حينما وجدوا أنفسهم في خضم صراع "مصري - سعودي"، قد يؤدي إلى ضياع الثورة وضياع تضحيات أبطالها، لذلك سارعوا - رغم التباينات الكبيرة فيما بينهم - لصياغة رؤى أكثر استقلالية، تنادي بألا يجرد الدعم الخارجي الشعب اليمني من حقه في فرض شكل الدولة، وشكل السياسة وغيرها من معطيات الحكم.
دفع الكثير منهم ثمن ذلك غاليا، وتحول البعض منهم إلى خصم بالنسبة للحليف المصري، الذي أيضا كان لديه همّ أكبر من همّ الثورة اليمنية، ألا وهو همّ مواجهة الانبريالية العالمية، والراديكالية الداعمة لها، ممثلة بـ"المملكة العربية السعودية" حينها.
لقد تكالب العالم على الزعيم العظيم جمال عبد الناصر، ما دفعه إلى ممارسة شكل من المراوغة والمراوحة في حرب اليمن، والدخول في مفاوضات جدة، سنة 1965، وغيرها من أشكال المفاوضوات أخرى الغير رسمية، وهو ما ألقى بظلاله تلقائيا على الثورة اليمنية الوليدة..
وكان الثوار ضعفاء نظرا لاعتمادهم الكبير على المساندة الخارجية، وحينما قرروا رفع شعار أكثر استقلالية وأكثر ندية، تعرضوا للتضييق، بل واحتجزوا كبار رجالات الدولة في القاهرة أكثر من مرة، وفي ظل هذا الوضع تمكنت القوات الملكية بقيادة البدر والحسن من استعادة تقريبا 50 بالمائة من الأراضي التي خسروها منذ بداية الحرب.
بالرغم من انتصار الجمهورية بعد سنة 1968، إلا أن ذلك الوهن الذي أصابها قبل حصار السبعين يوما جراء الصراع الاقليمي، كان له تأثير كبير في نشوء كيان جمهوري غير مكتمل مستند بشكل كبير إلى الكتلة القبلية التي كانت المستفيد الأكبر من الحرب الأهلية التي امتدت من أكتوبر 1962، وحتى فبراير 1968.
واليوم تتكرر الكرة، ونبدو أكثر اتكالا على العامل الخارجي، منه على ذواتنا، وهذا يتضح من خلال مساحة الحرية الممنوحة لنا في ما يتعلق باتخاذ القرار في الميدان العسكري وحتى السياسي، وهذا ما يذكر أيضا بالموقف المصري من بعض القرارات والتوجهات العسكرية التي كانت تتخذها حكومة الثورة في الأعوام التي أعقبت ثورة 26 سبتمبر.
ويزداد الأمر قتامة اليوم، في الميدان الاقتصادي، حيث تبدو الحكومة المعترف بها أكثر فشلا وعجزا عن مواجهة التحديات الاقتصادية، وهو ما لم تكن تعاني منه الحكومات المتعاقبة بعد ثورة سبتمبر، أو على الأقل بهذا القدر من الحدة.
نحتاج اليوم لإعادة تعريف الحرب مع الحوثيين، وألا نظل مراوحين في مربع الحلفاء، وأن نكون صناع قرار، لا مجرد تابعين، فهذا مصيرنا ومصير أجيالنا القادمة.