غادر محمد عايش صنعاء بعد أشهر من مقتل الرئيس السابق صالح على يد أصدقائه الحوثيين، وانتقل إلى القاهرة لينضم إلى الطاقم الإعلامي التابع لنجل صالح، وكان الإنتقال السلس على وعد تلقاه بتأسيس قناة فضائية وتسليمها له ليكون هو المشرف عليها.
بعد أشهر من بقائه في القاهرة تراجعت الحضوة التي أظهرها الكفلاء الجدد وتحول مشروع القناة التلفزيونية إلى وعد بتقديم دعم لإنشاء موقع إلكتروني على الإنترنت، ولا يزال عايش يعيش قيد الإنتظار مع خشية أن يخفت حماس الممول الجديد أكثر ويتحول الموقع إلى صفحة على الفيس بوك أو مجموعة على الواتس أب.
عايش خريج مركز بدر والجامع الكبير قبل أن يصبح سنيداراً لجامع البهمة ومشرفاً على الحوزة التابعة له ومنه اكتسب لقبه الشهير.. تشرب الفكر الطائفي حتى الثمالة وأخلص للمذهب والفكرة حتى صارت جزءاً من كيانه.
انتقل إلى صحيفة الشورى لصاحبها الوزير والتي كانت حينها بعهدة الخيواني، وواصل خدمة المشروع الإمامي من (الشورى) التي كانت إحدى الأذرع الناعمة لمشروع استعادة الحق الإلهي الذي ظلت عجلته في حركة دائبة منذ المصالحة التالية لثورة 62، كما لعبت دوراً في استقطاب إعلاميين.. وبعدها كانت انتقالته إلى مقيل السمسار الكبير ياسر العواضي والذي أسس له صحيفة (الأولى) وكانت مرحلته الذهبية في خدمة مشروع الإمامة والولاية وهو الذي كان يبرع في صناعة عناوين وحبكات تقدم الحوثيين كثوار أنقياء وما سواهم فاسدون وعملاء، وكانت صحيفته تخرج لسانها كل صباح وتقيم حفلات الإبتهاج والشماتة مع كل جبل وتبة يسيطر عليها الحوثيون منذ تجاوزت جحافلهم مدينة صعدة.
يعرف عايش الكثير من خبايا المشروع الإمامي والدهاليز المظلمة التي نسجوا فيها مخططات إسقاط الدولة والإنقضاض على الجمهورية، ورغم مغادرته اليمن منذ أكثر من ستة أشهر إلا أنه إلى الآن لم يكتب مقالاً واحداً يفضح مخططات الجماعة ويعري إجرامهم، باستثناء القصة التي كتبها، بلغة مهذبة، عن صديقه المقاتل الحوثي الذي لقي حتفه في أقبية جهاز الأمن الوقائي التابع للجماعة وقدمها وكأنها حادثة وحيدة دون أي إشارة أو تلميح إلى أكثر من 130 جريمة تعذيب حتى الموت ارتكبتها المليشيات بحق مختطفين مدنيين في سجونها من النشطاء الرافضين لمشروعها. وإشارات خفيفة لمقتل نبيل فاضل وإساءة الحوثيين إلى "العلامة" الديلمي واستيائه من عدم قدرة الحوثيين على تطوير خطابهم كما يطورون صواريخهم حتى يجمعوا حولهم اليمنيين.
كان عايش من أصحاب الحضوة القلائل الذين تكرم عليهم سيدهم بلقاء مباشر دون حجاب، وفاجأه بلطفه ودماثة أخلاقه، ووعده بالإفراج عن الصحفيين المختطفين وخرج يبشر الجمهور بهذا الوعد الكريم من القائد.
اعتذر عايش اليوم، فقط، عن تأييده للإنقلاب وعن كل كلمة كتبها منذ سبتمبر "متفهماً فيه هذا الحدث من زاوية أنه سيخلصنا من"محسن" فقط.. واتضح أنه خلصنا من الوطن كله" حسب ما جاء في اعتذاره المقتضب.
لم يعتذر عايش عن مسيرة طويلة قضاها في خدمة ذات المشروع وعن حملات التضليل الإعلامي المكثفة التي قادها لتزيين سوء وقبح النسخة الجديدة من الإمامة، ومع هذا فإن حتى الإعتذار الخجول عن ممارسة الإنقلاب لا يكفي ما لم يقدم عايش، ومن سيلحقه باعتذار مشابه، إثباتاً عملياً من خلال مناهضتهم للجماعة والمشروع والفكرة وتكريس أقلامهم وألسنتهم في مواجهة الجماعة ما تبقى من أعمارهم لعل ذلك يكفر عنهم شطراً من أعمارهم قضوه في خدمة المشروع الذي دمر اليمن في الماضي وعاد ليواصل تدميرها في المستقبل. وإلا فإن الإنتقال الجديد لن يختلف كثيراً عن الإنتقال من مقيل الخيواني إلى مقيل العواضي. يعني تغيير المترس لأداء نفس المهمة من مكان آخر.
لا زلت أتذكر عايش ونحن في ضيافة أحد السفراء الأجانب بصنعاء وهو يتحرك علي هامش الفعالية جذلاً يبلغ صحفيين حضروا ذات الفعالية، أنهم مدعوون لحضور مأدبة إفطار تقيمها جماعة الحوثيين في صنعاء لإعلاميين وسياسيين ابتهاجاً بالإنتصارات التي حققوها في عمران.
ولله في خلقه شؤون..