تعيش اليمن مأساة حرب مُعقدة ومُتداخلة تحولت معها البلاد إلى ساحة لصراع عابر للحدود واستقطاب متشابك، ووسط الدماء والدمار نشهد طفرة مهولة في تكاثر وظهور وسائل الاعلام المختلفة، والصحافة الالكترونية تحديدا ومعها ما يعرف بالاعلام الجديد (السوشيل ميديا). تبحث القوى الصاعدة عن موطئ نفوذ من خلال الحرب وعلى أنقاض فراغات سقوط/انكماش القوى القديمة التي هي الأخرى تحاول حماية نفسها واستعادة مفقودها.. فيكون الاعلام أقصر طرق الوصول وأقلها تكلفة.
نتائج هذه الاستقطابات الحادة، داخلية وخارجية، يمكن ملاحظتها من حجم التسريبات والشائعات وحملات التشويه والتشهير، والكم الهائل من تناقضات وتقلبات بعض الاعلاميين والناشطين الذين وقعوا في شرك الاغراءات والعروض؛ ومن الأخبار والتقارير والمنشورات المتلونة مثل قطع (الصلصال).
تتسيد (الفوضى الإعلامية) وتضيع الحقائق لدرجة يصعب معها معرفة الأخبار الصادقة من الكاذبة، ويصعب التصنيف وفرز الولاءات.
لم يعد من المستغرب أن البعض، للأسف، بات يعترف بل ويجاهر بالعمل لحساب جهة/جهات خارجية وأجهزة تعمل على استغلال الخلافات الداخلية وتوظيف الصراعات الخارجية ومطابخ الفرز العنيف للأطراف والدول الذي نرى انعكاساته ونتائجه على جيوش الحسابات الوهمية والممولة في شبكات التواصل الاجتماعي التي تدار من غرف استخباراتية في عواصم مختلفة!.
في بيروت قنوات فضائية ومطابخ اعلامية للحوثي وفصائل في الحراك تديرها وتمولها إيران، وفي القاهرة غرف وقنوات تديرها وتمولها الامارات، وأخرى في اسطنبول والدوحة ومسقط، بينما تحتضن الرياض إعلام الشرعية والاعلام المُساند لها.
هذه الفوضى شجّعت اعلاميين ونشطاء من خارج الحدود صاروا يخوضون في قلب الشئون والخلافات الداخلية ويُسقطون صراعاتهم ومناكفاتهم على المشهد اليمني بطريقة فجة ومبتذلة، نحن وهم في غنى عنها.
يزيد المشكلة تعقيدا غياب الإعلام المهني المستقل والمتعدد في الداخل، نتاج تعرّض القطاع الاعلامي للذبح والتجريف على يد المليشيا الحوثية في صنعاء ومليشيات المجلس الانتقالي وفصيل الحراك الانفصالي في عدن، نحن أمام اعلام وصحف واذاعات حوثية في صنعاء واعلام حراكي وصحف في عدن!!
وسائل التواصل الاجتماعي بانتشارها الهائل وما فيها من غوغائية فائقة باتت الأكثر والأسرع وصولا للمجتمع الذي يظل ضحية لهذا العبث المُنظم غالبا.