أعلن زعيم الحوثيين أمس ضمنيا، رفض جماعته للمبادرة الأخيرة التي تقدم بها مارتن غريفيث بشأن الحديدة، وهو ما يعني فشل الجهود الأممية التي بدأها غريفيث منذ أواخر الشهر الماضي، وهي الجهود التي نجحت في وقف العمليات العسكرية التي كانت تنفذها القوات المدعومة من الإمارات باتجاه مدينة الحديدة.
مرارا وتكرارا يستغل الحوثيون أي فرصة للحصول على الوقت كلما أصبحوا في مأزق، وما إن يستعيدوا أنفاسهم، حتى يعلنوا تنكرهم لأي وعود قطعوها، أو اتفاقات أبرموها.
مسيرتهم حافلة بنكث الاتفاقات، ابتداءا بالغدر بأبناء دماج، ومرورا بالغدر بالقشيبي قائد اللواء 310 والذي قامت الجماعة بتصفيته بعد الاتفاق على أشرفت عليه لجنة عسكرية، وكذا انقلابها على اتفاق السلم والشراكة الذي أشرف عليه المبعوث الأممي الأسبق جمال بن عمر.
وَضَعَ الحوثي بدعوته لحشد المقاتلين إلى الحديدة، حداً لتفاؤل "مارتن غريفيث" الذي امتلأت به وسائل الإعلام المحلية والدولية، كما أظهرت أن الإيجابية التي تحدث عنها "غريفيث" أثناء مغادرته صنعاء، لم تكن سوى مراوغة حوثية، لكسب الوقت.
عمليا لم تتوقف عمليات جماعة الحوثي في الحديدة، بالرغم من وقف التحالف والقوات المشتركة عملياتهم العسكرية صوب الحديدة.
استثمر الحوثي فترة وقف التحالف للعمليات، بأن شن هجمات عديدة، كما أنه لم يتوقف عن قصف المناطق التي كانت القوات المشتركة قد وصلت إليها، وتحديدا باحات المطار الجنوبية، وصالة العروض وغيرها، الأمر الذي أجبر القوات المشتركة على الانسحاب منها.
لكن ماذا عن الإرادة الدولية إزاء الوضع في الحديدة واليمن عموما.. ؟
بالطبع هناك أطراف دولية تريد للحوثي البقاء، ليس لأنه خيارها، ولكن لأن لديها أجندة معينة إزاء الأطراف التي تخوض أو تقود الحرب ضد هذه الجماعة.
واشنطن لديها أجندة معينة، تجد أن خسارة الحوثي هذه المدينة (الحديدة)، قد يغير موازين القوة، لصالح الطرف الآخر، الذي لا تزال هي بحاجة إلى بقاءه في إطار توازن معين، يبقيه بحاجة ماسة لدور أمريكي سياسي وعسكري، يمنحها (أي واشنطن)، أوراق ضغط على السعودية والإمارات.
الأمم المتحدة بدورها، تنظر للمسألة بعيون أمريكية، وغربية أحيانا، وهذه الدول لا تريد نصرا حاسما للسعودية والتحالف، كما لا تريد سيطرة قوات لا تزال غير واضحة المعالم، ومتعددة الولاءات على أهم المناطق التي تمثل تهديدا للملاحة الدولية، إذ أن معظم القوات التي تخوض المعركة قي الساحل، هي قوات غير نظامية، تأتي من خلفيات مناطقية (جنوبية)، ومذهبية (سلفية)، قد تشكل معضلة أخرى على المدى المتوسط والبعيد.
يبقى الأمر متعلق بقدرة الحكومة اليمنية، والفصائل المشاركة في القتال على تجاوز الضغوط الدولية، وإقناع التحالف العربي بضرورة حسم المعركة في الحديدة، وفي غيرها من الجبهات المحورية، كجبهة "نهم شرق صنعاء"، ففي حال توفرت الإرادة لدى الأطراف التي تعمل على الأرض، فإن ذلك كفيل بتخفيف حدة الممانعة الدولية، والتريّث الخليجي إزاء حسم المعركة.