مثل غيري من المتابعين كثيرا ما تسائلت عن سر جمود العمل العسكري في جبهتين حيويتين مثل جبهتي نهم (70 كيلو شرق صنعاء)، وصرواح (غرب محافظة مأرب وشرق صنعاء أيضا)، خصوصا مع استمرار تحرك جبهات أخرى ربما أقل حيوية من هاتين الجبهتين.
ومن المؤسف أن الموضوع تحول إلى أداة للتجاذب السياسي، والهمز واللمز، حتى انتقل الأمر من ساحة الهزء السياسي، إلى الاستخفاف بدماء المئات ممن سقطوا شهداء وهو يخطون المجد على جبال نهم الأبية، وتباب صرواح في مواجهة أحفاد الإمامة.
وكما هو واضح، هناك من يتعاطى مع الموضوع باستخفاف وسخرية، مستقيا اعتقاده ورأيه من خلفيته المليئة بالأحقاد والكره على طرف معين، ما يدفعه للقدح واللمز، وسوق الاتهامات، بالتخاذل والنكوص لأولئك الذين اختاروا النوم على كف الريح، وتحت وقع الرصاص على البقاء في المنازل، أو الفرار إلى الخارج بحثا عن المجد والمصلحة تحت عباءة النشاط الحقوقي أو الإنساني أو السياسي أيضا.
وهناك أيضا من يجهل طبيعة المعركة، ويتقبل أي فكرة قد تسقط أمامه، وهو رهن ما تقدمه له وسائل الإعلام عموما، ووسائل التواصل على وجه التحديد، لكنه يفتقر إلى الحقيقة الموضوعية حول ما يحدث في شرق العاصمة، وهذا الصنف بريء من اعتناق الحقد كوسيلة لقولبة وتحوير الحقيقة، لكنه لا يمتلك الرغبة في معرفة الحقيقة وهنا تكمن المشكلة.
وهناك طرف آخر، يدرك أسباب الجمود، سواءً السياسية أو الجغرافية، لكنه لا يكلف نفسه مهمة الإيضاح للناس، وإزالة اللبس، تاركا المجال للتكنهات وتقديرات وتحويرات الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي.
ولعله من المهم التأكيد أولا على ضرورة إدراك خطورة القدح في جهود المقاتلين في كل الجبهات، وضرورة أن نتجرد من كل انتماء أو أحكام مسبقة، حينما نستعرض ما يقدمونه من تضحيات، فمن نذر دماءه في سبيل استعادة الدولة، أقل ما يجب أن نقدم له هو الإجلال والتقدير، والسكوت عن النيل منه إلم ندعو له بالنصر.
كما لا يجب تصنيف الدماء التي تراق، فكلها زكية، وكلها مقدسة، دام أنها سالت في سبيل استعادة الدولة، ودفاعا عن الكرامة، لكن للأسف هناك من لا يدرك خطورة هذه المسألة، فمن يستخف بما يقدمه الأبطال في نهم، عليه أن ينتظر استخفافا مماثلا بالدماء التي تراق دفاعا عن الوطن في الساحل الغربي وفي بقية الجبهات، وهذا ما يحدث فعلا.
وبالعودة إلى جبهة نهم، وصرواح، فالجمود الذي يحدث هناك، ليس ناجما عن ضعف أو عجز، بل خاضع لحسابات سياسية معقدة، مرتبطة بالتحالف، وحساباته الداخلية والخارجية أيضا.
فقرار التقدم في هاتين الجبهتين هو بيد غرفة عمليات التحالف العربي، وهي التي تحدد متى يكون التقدم ومتى تتوقف الجبهة، ولهم في ذلك تبريرات عديدة، منها أن هاتين الجبهتين ترتبطان بمعركة تحرير صنعاء، وقرار تحرير العاصمة، يحتاج لتوافق مع الدول الكبرى، وأهمها الولايات المتحدة الأمريكية.
ضِف إلى ذلك، المُعطى الجغرافي، إذ تتميز جبهة نهم تحديدا بأنها الجبهة الأكثر وعورة بين جبهات القتال الحالية، وبالتالي قرار التقدم فيها يعني كلفة بشرية ومادية كبيرة، وحل هذه المعضلة أيضا مرتبط بالتحالف العربي.
ولمن يقدح في جهود الرجال في الجبهات، عليه أن يعرف أن التحالف العربي لو أراد الحسم في نهم وأيضا في صرواح، لرأينا طائرات الأباتشي والمعدات الثقيلة تمشط ليل ونهار كما هو الحال في الساحل الغربي، لكن للتحالف تقديراته، وما علينا إلى ترشيد تفسيراتنا بحيث لا تتعرض للأدوار البطولية التي يقدمها الأبطال في الجبهات.