مشكلة بحجم المشكلة اليمنية ، وبحجم المسئولية التي وضعتها الحياة أمام من تصدوا لحماية اليمن من السقوط في مخالب المشروع الايراني في المنطقة ، لا بد أن تصحبها تعقيدات كبيرة ، ولا بد أن تتمخض عنها لحظات عصيبة من الخلاف والاختلاف ، ولا بد أن تكتنفها أطوار من الحيرة والارتباك ، ولا بد أن تثار في دوامة حركتها وصخبها كثير من الأسئلة التي تبقى من غير إجابة واضحة .
هذا ما شهدناه خلال الفترة الماضية بكل تفاصيله ، حتى أن هذه الكومة من المصاحبات استطاعت أن تحتجز الجزء الأكبر من الجهد الذي كان من المفروض أن يوجه لمعركة استعادة الدولة ليبدد عوضاً عن ذلك في معارك هامشية وجانبية . المشكلة الأكبر هي أن هذه المعارك الجانبية أغرقت الجميع في متاهات لم يعد معها ممكناً اعادة تعبئة هذا الجهد إلا باستعادة المبادرة.
لا يجب أن نقف أمام هذا الوضع الذي وصلنا إليه كفاقدين للحيلة ، موزعين ببلاهة المتخبطين في مستنقع الفتنة والانحيازات بحيث لا يرى كل منا من المشكلة الكبيرة غير الجزء الذي يعتقد أنه يعنيه . إن تقطيع أوصال المشكلة إلى أجزاء على هذا النحو الذي شهدناه خلال الفترة الماضية يعني أننا فقدنا القدرة على التعاطي معها عند نقطة معينة .. وبدلاً من مواصلة السير على غير هدى نحو المجهول فإنه لا بد من العودة إلى هذه النقطة والتوقف عندها بمسئولية لاستعادة المبادرة .
هذه النقطة هي إدارة العلاقة مع التحالف .. التضحيات الضخمة التي قدمها التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية ومعهاالامارات العربية المتحدة لدعم الشرعية والشعب اليمني لاستعادة دولته لا بد من النظر إليها في إطار رؤيا استراتيجية لعلاقة اليمن بمحيطه . لا يمكن بأي حال النظر الى هذه العلاقة ، التي تعمدت بهذه التضحيات الكبيرة ، على أنها طارئة حتى تحسب على طريقة ( حساب مخبازة كما يقول المثل الشعبي اليمني) . لا أحد يستطيع أن ينكر أن هناك صعوبات وأخطاء رافقت هذه العلاقة بمقدار ما تبعثة المشكلة اليمنية من تعقيدات وحسابات ، ناهيك عن غياب إدارة مشتركة لهذه العلاقة تستند على أسس وهياكل قوية واضحة .
غير أن هذا لا يبرر الذهاب بهذه العلاقة المصيرية نحو المجهول . انها محطة تاريخية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى .. ولا يمكن النظر إليها إلا بأنها كذلك ..وكان لا بد من التوقف عند ادارة هذه العلاقة لتصحيحها بمقدار ما تشكله من أهمية استراتيجية لا يمكن التعامل معها بخفة الخطاب الذي لا يرى الخطأ إلا عند الآخر .
إصلاح إدارة هذه العلاقة هي المسألة الجوهرية في استعادة المبادرة لتصحيح مسارات العمل على كافة الاصعدة التي تحتاجها عملية استعادة الدولة من قبضة الانقلابيين وإبقاء اليمن بيد أبنائه وفي إطار محيطه العربي.
إن المستجدات التي رمت بها الظروف في طريق الشرعية ، وأخص بالذكر مقتل علي عبد الله صالح على يد حلفائه السابقين وما رتبته هذه الاحداث من تداعيات ودوافع وحسابات من زوايا مختلفة بخصوص إعادة تعبئة جزء من القوة التي كانت تحارب الى جانب الحوثيين ، لا يجب أن تتحول إلى عامل سلبي في المجرى العام لإستقطاب كل (ما) ومن بات مقتنعاً بخطورة الانقلاب الحوثي على مستقبل الدولة اليمنية . غير أن هذا الاستقطاب يجب أن يحافظ على ما استقرت علية شرعية الدولة والمقاومة دون مساس بالمرة بهذه المعادلة أو التفكير في إعادة بنائها من الصفر بحجة أن جزءاً من هذه القوى يريد أن يكون له رأس مستقل ولا يعترف بشرعية الرئيس هادي . أي تفكير في هذا الاتجاه لن يكون غير إختراق عبثي نحو المجهول .
إن كل من يأتي إلى ساحة مقاومة الانقلاب يجب أن يشكل إضافة لتراكم وطني في السياق العام للمنظومة السياسية والادارية لشرعية الدولة التي حملت لواء مقاومة الانقلاب منذ البداية ، وفي إطار هذه التشكيلة المؤسسية يمكن تجديد الأدوات والوسائل التي لا تخل بالبناء الأساسي للشرعية .
إستعادة المبادرة في هذا السياق وفي هذه اللحظة التاريخية التي تحركت فيها الأمور نحو مجاهيل عدة سيكون مقدمة ضرورية لاستعادة الدولة ومعها حل قضية الجنوب وغيرها من القضايا الأخرى .
ويستطيع الرئيس هادي أن يقود عملية المبادرة تلك ويتقدم بورقة عمل لهذا الغرض تكون أساساً لعمل جاد ومسئول في الإتجاه الذي لا يمكن السير في اتجاه معاكس لهذه المسئولية إذا أردنا لليمن أن يخرج الى المكان الذي يستطيع فيه أن يعيد بناء نفسه بخيارات الشعب .