أعتقد أنه بات من حق الشعب اليمنى استبدال اسم الجمهورية العربية اليمنية بالجمهورية الأوروبية اليمنية، وذلك بعد أن صادق البرلمان الأوروبى على قرار يوصى بحظر بيع الأسلحة للمملكة السعودية بسبب حربها على اليمن، وصوّت لصالح القرار ٥٣٩ نائباً ضد ١٣، فى موقف تاريخى لم يرق إليه البرلمان العربى، ولا جامعة الدول العربية، ولا أى من برلمانات المنطقة عموماً، ودعا القرار الأوروبى إلى إيصال مساعدات إنسانية عاجلة إلى الشعب اليمنى، وإيجاد حل سياسى للمشكلة القائمة عبر تقليل التوتر والاشتباكات هناك، وهو ما لم تفعله أيضاً الدول العربية.
لم يتوقف الجهد الأوروبى فيما يتعلق برفع المعاناة عن الشعب اليمنى عند هذا الحد، فقد أعلنت أيضاً رئيسة الوزراء البريطانية، تريزا ماى، أنها طالبت العاهل السعودى الملك سلمان بن عبدالعزيز بضرورة فك الحصار عن اليمن، واستئناف تدفق الإمدادات التجارية لتجنب وقوع كارثة إنسانية، هذه التصريحات جاءت أيضاً بالتزامن مع تصريحات للقائم بأعمال السفارة الروسية فى صنعاء، أندريه تشرنوفول، أكد فيها موقف روسيا الرافض استمرار الحل العسكرى فى اليمن، وضرورة إيقاف الحرب، والدخول فى تسوية سلمية.
بات واضحاً أن مفتاح حل الأزمات العربية عموماً لم يعد عربياً، بدءاً من سوريا والعراق، مروراً باليمن وليبيا، حتى أزمة الحصار على قطر، وقبل ذلك أزمة رئيس الوزراء اللبنانى سعد الحريرى، وهو ما جعل الرئيس الإيرانى حسن روحانى يصف جامعة الدول العربية بأوصاف مهينة وقاسية، وذلك فى أعقاب الاجتماع الوزارى العربى الأخير، الذى ندد بالتدخل الإيرانى فى المنطقة واعتبار حزب الله اللبنانى منظمة إرهابية، قال روحانى: بينما نجحت شعوب المنطقة فى التصدى لـ«داعش»، يجتمع وزراء خارجية منظمة (...) ليعبروا عن أسفهم لنجاح الشعب اليمنى فى إخراج صاروخ من المستودعات وضرب الرياض، بعد عامين ونصف العام من جرائم السعودية وقصفها لليمن.
بعد القصف الجوى والبحرى والبرى، الذى طال الشعب اليمنى منذ مارس ٢٠١٥ تحت اسم «عاصفة الحزم» وحتى الآن، أصبح من حق اليمن الكُفر بالعروبة، بل بكل دول الجوار الشقيقة، التى لم يستطع أى منها اتخاذ موقف يرقى إلى مثل هذه المواقف الأوروبية، على الرغم من انتشار الكوليرا فى ٢٢ محافظة هناك من بين ٢٣ محافظة هى عدد أقاليم اليمن، وإصابة نحو مليون شخص بهذا الوباء فقط، توفى منهم أكثر من ٢٥٠٠ شخص، حسب إحصائيات منظمة الأمم المتحدة للطفولة «يونيسيف» فى الوقت الذى فرضت فيه الدول المشاركة فى تحالف الحرب حصاراً برياً وبحرياً وجوياً قاسياً، تعذر معه العلاج، بل تعذر وصول إمدادات الغذاء والدواء وغيرهما من مقومات الحياة، فى ظل اعتماد واسع على المياه الملوثة.
يجب أن نعترف بأن الشعب اليمنى أصبح فى طى النسيان على المستوى العربى والإقليمى، فى الوقت الذى تعالت فيه الأصوات بالأمم المتحدة والمنظمات المختلفة لاعتبارها حرب إبادة وضرورة محاكمة الجناة أمام المحاكم الجنائية الدولية، وذلك بعد رصد القصف العشوائى للأحياء السكنية، والتدمير الممنهج للبنية التحتية، ومن بينها آبار المياه والمرافق الصحية، ناهيك عن الحصار البشع الذى حال دون وصول المساعدات الإنسانية، وسط تقارير عن أطماع فى اكتشافات نفطية، وموانئ بحرية، وتقارير أخرى عن استهداف واضح للحضارة اليمنية.
أعتقد أن التاريخ لن يغفر أبداً ذلك الموقف العربى الذى يتراوح بين المساند للعدوان على الشعب اليمنى وآخر صامت أو متخاذل، فى الوقت الذى صدرت فيه قرارات متتالية دولية وأممية وأوروبية تدين المجازر هناك، دون أن يحرك ذلك ساكناً على المستوى العربى، لأسباب معلومة، فى غياب وازع من ضمير لدى الأنظمة الرسمية، أو حتى حمرة الخجل لدى الشعوب، والتى كان يمكن من خلالها أن تنتفض لنصرة أشقائها الذين كانوا على الدوام الأكثر نصرة للقضايا العربية من المحيط إلى الخليج.
الأمر الأكثر إيلاماً فى الأزمة اليمنية هو ذلك الذى يُحاك حوله الآن من تقسيمات، أقلها يمن الشمال ويمن الجنوب، كما كان الوضع فى السابق، وهو الأمر الذى يتبناه بعض ذوى المصالح، سواء من داخل اليمن أو من خارجه، فى إطار تفتيت المفتت مما تبقى من دول المنطقة، إلا أن ما لا يعيه أصحاب المصالح هؤلاء هو أنه فى هذه الحالة لن يتوقف الأمر على اليمن فى هذا الشأن، ذلك أن مخطط التفتيت والتقسيم أشمل وأوسع من ذلك بكثير، وإنا لمنتظرون.
*نقلاً عن المصري اليوم