الذين ما زالوا يعتقدون ويتصرفون ويحددون مواقفهم من إيران على أساس وجود أزمة بينها وبين المملكة فقط، لا تتطلب منهم الدخول فيها كي لا تسوء علاقاتهم بإيران ثم يصبحون هدفا لها، مخطئون جداً وتقديراتهم غير صحيحة أبداً، فالمشروع التوسعي الإيراني في الدول العربية يمثل هدفاً استراتيجيا رئيسيا في برنامج الثورة الخمينية، يخدمه بكل همة ودأب نظام الملالي منذ ذلك الوقت إلى الآن، وأبسط وأوضح برهان على ذلك النشوة الكبيرة التي تحدث بها النظام قبل وقت قريب عن سقوط أربع عواصم عربية تحت هيمنته، والتطلع إلى سقوط بقية العواصم.
هذه الحقيقة لم تعد بحاجة إلى إثبات ولا يجب أن يقلل من خطرها أحد. إيران عدو حقيقي لكل الدول العربية القريبة من محيطها والبعيدة عنه، وإذا كانت المملكة في مواجهة مباشرة معها عبر وكلائها في الدول التي زرعتهم فيها، فلأن المملكة استشعرت بشكل واقعي خطرها المتعاظم المحدق بالجميع واستبقته بالمواجهة، مع ضرورة الإشارة إلى كل التدخلات التخريبية السابقة لها والتي لم يعد معقولا انتظار ما هو أسوأ منها. لذلك فإن الأزمة القائمة يجب اعتبارها أزمة حقيقية بين إيران وكل الدول العربية، وعلى الأقل التي وصلها التخريب المباشر بواسطة ميليشياتها وعملائها وعصاباتها التي استطاعت التحكم بمفاصل بعض الدول والسيطرة على أوضاعها وقراراتها وعلاقاتها.
لذلك يكون مؤسفا جدا الموقف الرسمي اللبناني من استقالة الرئيس سعد الحريري بمحاولته خلط الأوراق وقلب الحقائق ووضع النتائج محل الأسباب الحقيقية، وصولا إلى التضامن الصريح مع حزب الله في أزمة خطيرة هو المتسبب فيها، والبدء في التسويق الخارجي لمغالطات صارخة من خلال وزير الخارجية اللبناني، بل من خلال الرئيس اللبناني نفسه، والإساءة العلنية المباشرة للمملكة. الأمر المزعج هنا هو صمت كثير من الأطراف العربية إزاء هذا التصعيد الإيراني الخطير من خلال لبنان الرسمي، أو حزب الله على وجه الدقة باعتباره وصل إلى مرحلة تسيير السياسة اللبنانية برمتها، وكأن الشرر الإيراني المتطاير لن يسقط على الجميع إذا لم يتم لجم الشرير الإيراني.
أيها العرب، إيران تستهدفكم جميعاً، والمملكة قادرة بإذن الله على حماية نفسها، لكنها تستشرف الآتي الذي تتغافلون عنه.
*صحيفة عكاظ