تعد مشكلة التعليم لدى اليمنيين المتواجدين في دولة ماليزيا من أهم وأكبر المشاكل التي يواجهونها، وكما أن اليمني في الداخل ونتيجة للانقلاب الغاشم والحرب الطاحنة محروم من التعليم، ويعاني مشكلات انقطاع الرواتب وانفلات الأمن، وتفشي الفساد فكذلك الطالب اليمني في ماليزيا يعاني مشاكل كثيرة تمنعه وتعيقه من الحصول على حقه في التعليم والتي سوف نسلط عليها الضوء في هذا المقال.
تقسم الجالية اليمنية في دولة ماليزيا من حيث الوثائق الثبوتية لديهم ونوعية الاقامة التي يحملونها إلى فئات: طلاب، وجالية، ونازحين، ولاجئين. فكل يمني دخل ماليزيا وحصل على فيزه نظامية تاجر أو عامل أو موظف في القطاع العام أوالخاص فهذا يسمى جالية، وأما من دخل إلى ماليزيا لأجل التعليم والدراسة فهؤلاء يسمون طلاب، وأما من نزح بسبب الحرب ونتيجة لها وللصراع القائم في اليمن فإن قام بالتسجيل في المفوضية العليا للاجئين فيسمى لاجئ، وإن لم يسجل في المفوضية العليا للاجئين واكتفي بالحصول على الفيزا الخاصة التي تمنحها السلطات الماليزية لليمنين لمجرد الاقامة فقط والتي لا يسمح لحاملها بالعمل أو الدراسة أو ممارسة أي نشاط لأنها تمنح الشخص حق الاقامة فقط لا غير فهذا يسمى نازح.
ومع ما ذكر من اختلاف في التسمية والتصنيف فجميع هؤلاء الأصناف ما عدى الطلاب المبتعثين على جهات غير الحكومة اليمنية أو من يدرسون على النفقة الخاصة، فجميع من ذكر يشتركون في الحرمان من الخدمات الاساسية الضرورية للحياة الانسانية الكريمة من خدمات تعليمية وصحية وغيرها من الخدمات لسبب انقطاع المساعدات المالية عن الطلاب المبتعثين من الحكومة اليمنية ولسبب تدهور القطاع الاقتصادي اليمني العام والخاص فلم يستطع اليمني المتواجد على الأراضي الماليزية من مواجهة أعباء الحياة وتوفير لقمة العيش فضلاَ عن أنه لم يعد يتمتع بحقوقه الأساسية كإنسان له الحق في التعليم أو الصحة.
يزيد عدد اللاجئين اليمنيين والمسجلين لدى المفوضية العليا للاجئين على الـ 3000 ألف لاجئ وهؤلاء ينقسمون إلى طالبي لجوء وهم من يسجل ابتداء ويمنح كرت موعد وهؤلاء لا يسمح لهم ولا لأولادهم دخول المدارس المدعومة من المفوضية العليا للاجئين، وذلك لأنه لم يتم الاعتراف بهم بعد كلاجئين من قِبَل المفوضية العليا للاجئين في دولة ماليزيا، وكذلك لا يستطيع حامل كرت الموعد العمل ولا الاستفادة من الخدمات الصحية ولا الدورات والمشاريع المدعومة والتي تعطى لحاملي بطائق المفوضية العليا للاجئين.
أما من حصل على بطاقة اللجوء من المفوضية العليا للاجئين فهؤلاء يستطيعون ويستطيع أولادهم الالتحاق بمدارس المفوضية العليا للاجئين والتي تقوم بدعم من قبل المفوضية والجمعيات والمنظمات المحلية الداعمة للاجئين، ولكن مستوى التعليم في هذه المدارس ردئ جدا مقارنة بالمدارس الأخرى كالمدارس الخاصة وذلك لقلة وشحة الدعم المقدم لتلك المدارس ومعظم العاملين بها هم من المتطوعين، ولهذا فالعدد الملتحق بتلك المدارس من اليمنيين قليل جداً.
وأما التعليم في المرحلة الجامعية للاجئين فشبه معدوم وإن وجد فبشكل يدل على مدى الاهمال الكبير للاجئين حيث هناك عدد قليل جدا من الجامعات التي تقبل تسجيل اللاجئين كطلبة في الجامعات -وعددها تقريبا ست جامعات فقط لا غير- والطالب الملتحق بهذه الجامعات لا يمنح شهادة تخرج لان السبب في ذلك ان الدولة الماليزية ليست طرف في اتفاقية جنيف لعام 1951م والخاصة باللاجئين، ولهذا فوزارتي التربية والتعليم الماليزيتين لا تمنح شهادات للاجئين الملتحقين بالمدارس والجامعات الماليزية
وفيما يتعلق بالنازحين اليمنيين وهم من اجبرتهم الحرب على ترك اليمن، فكانت دولة ماليزيا أكثر الدول استقبالاً لهم ومثلها دولة السودان، وذلك نتيجة للعلاقة المتميزة بين اليمنيين والماليزيين حكومة وشعبا فقدمت تسهيلات خاصة لليمنيين فمنحتهم حق الاقامة بدولة ماليزيا وتعطي لهم فيز خاصة يستطيع الحاصل عليها المكوث في دولة ماليزيا وبشكل نظامي.
ولكن مما يعيب على هذه الرخصة أو الاقامة أنها لا تعطي لحاملها الحق في التعليم ولا الاستفادة من الخدمات الصحية ولا غيرها من الامتيازات وأهميتها تكمن في مجرد البقاء فقط بدولة ماليزيا، والمستفيد الأكثر منها هم أصحاب الأموال ومن لديهم مغتربين يقومون بمدهم بالمال لأجل البقاء في دولة ماليزيا. وهؤلاء نسبتهم قليلة جدا من النازحين اليمنيين البالغ عددهم تقريبا 30 الف نازح، ومعظم هؤلاء فضلوا الاكتفاء بالفيزا السياحية على الذهاب والتسجيل لدى مكتب المفوضية العليا للاجئين في دولة ماليزيا وذلك لصعوبة التسجيل ولطول الفترة التي تستغرقها فترة التسجيل والحصول على بطاقة المفوضية العليا للاجئين ولهذا فان هذه الفئة أكثر معاناة من فئة اللاجئين والذين يحملون بطائق المفوضية للاجئين.
وخلاصة القول فإن شريحتي اللاجئين والنازحين تعاني اشد من غيرها من شرائح المجتمع اليمني في ماليزيا، وكثير من أبناء هؤلاء لم يدرسوا اطلاقا، وكلما زاد عدد الطلبة الغير ملتحقين بالتعليم الابتدائي فهذا يقلل من عدد الطلبة في جميع المراحل التي تليها، وكلما ارتفع مستوى التعلم بسبب زيادة الدعم يزيد اعباء وتكاليف الدراسة فيؤدي بشكل مباشر إلى زيادة نسبة المحرومين من التعليم، لنقص التمويل والمال لدى اسر الطلبة، وهؤلاء المتسربين من المدارس أو الذين لم يذهبوا أبدا للدراسة تضيع سنوات عمرهم سدى والتي هي أهم سنوات التأهيل والتحصيل العلمي ، ويصبح مستقبل هؤلاء في حكم المجهول.
وبدلاً من أن يكون هؤلاء هم أمل اليمن، وهم أهم استثمار في المستقبل في جميع المجالات العلمية لأجل يقوموا بإعادة بناء وإنعاش اليمن بمجرد حلول السلام وانقشاع الانقلاب الغاشم عن صدر الأمة اليمنية، فسوف تكون النتيجة عكسية ومدمرة لمستقبل البلد، ففي هذه الشريحة نسبة المتسربين من المدارس هي خمسة اضعاف المتسربين من الفئات الأخرى لشدة الفاقة والفقر لدى هذه الأسر.
وفيما يتعلق بالطلاب من أبناء الطلاب المبتعثين ومن يدرسون على النفقة الخاصة في ماليزيا، يبلغ عددهم حسب أخر احصائية 5670 طالب، المبتعثين منهم 800 طالب مبتعث، وابناء هذه الفئة من الطلبة الذين قدموا لدولة ماليزيا لأجل الدراسة سواء طلبة مبتعثين من قبل الدولة او أي جهات داعمة او الذين على نفقتهم الخاصة، يبلغ عددهم اضعاف ذلك العدد.
ويعود الفضل في تأسيس المدارس اليمنية بدولة ماليزيا لأباء هؤلاء الطلبة فهم من قام بتأسيسها، وتلك المدارس ولحد ما قامت بتغطية حاجة الناس من التعليم في فترات سابقة تلت مرحلة تأسيس تلك المدارس والى ما قبل الانقلاب المشؤوم واندلاع الحرب، ولسبب كثرة العدد القادم ممن نزح من الحرب فتم الضغط من قبل الممولين لتلك المدارس والمستثمرين لأجل تقليل عدد الطلبة المشمولين بالتخفيض والدعم، كما هو الحال بالنسبة لمدرسة ايماس حيث قامت بتحديد عدد محدد لأبناء الطلبة الذين يتم التخفيض لهم بنسبة 85% وشددت في شروط قبولهم كطالبي تخفيض لعدد تحدده الإدارة القائمة على المدرسة وتضع معايير معينة مما ضيق الخناق على الكثير ولجأ الى مدارس اخرى اقل تكلفة واقل جودة ، ومع مرور الايام واندلاع الحرب انقطعت الرواتب فلم يستطع هؤلاء الطلبة ارسال اولادهم للمدارس لانعدام الرواتب بشكل تام وكان الهم الشاغل لهذه الفئة هو كيفية اشباع اولادهم من الخبز، وكيفية توفير الأسر للالتزامات التي عليها من ايجار ولوازمه. فانعكست المشكلة على أبناء الطلاب المبتعثين فبينما الاباء يدرسون دراسات عليا ماجستير ودكتوراه أولادهم يقبعون في البيوت بلا دراسة، ولجأ البعض إلى تسجيلهم انتساب، ويأتي بهم في أخر الفصل الدراسي او اخر السنة لحضور الامتحانات، وبهذا الاسلوب فالطالب يحرم من البيئة التعليمية الموجودة في المدرسة مما يجعل هؤلاء الطلبة يعيشون ظروفا نفسية لانعزالهم في المنازل لعدم قدرتهم على الالتقاء بآخرين امثالهم حالفهم الحظ أن يلاقوا حقهم في التعليم.
وأما من حيث القدرة الاستيعابية للمدارس اليمنية في دولة ماليزيا فيبلغ عدد المدارس التابعة للجالية اليمنية والتي تحت اشراف السفارة خمس مدارس، وهذا النوع من المدارس فتح كحلول لأبناء طلاب الدراسات العليا من بضع سنوات، ونظرا للحرب في اليمن نزح العديد من اليمنيين مع أبنائهم إلى ماليزيا وتوجهت اعداد كبيرة منهم الى تلك المدارس وهم عشرات الاضعاف مما شكل ضغط كبير على تلك المدارس لان طاقتها الاستيعابية محدودة، ومبانيها صغيرة وهي اصلا ليست معدة ابتداء لهذا الغرض بل ان معظمها مساكن عادية.
وهناك نوع اخر من المدارس هي مدارس خاصة محدودة الامكانيات انشئت بسبب رواج سوق التعليم وصار مهنة مربحة أو على الاقل مهنة مجدية في الآونة الأخير للكثير من المعلمين النازحين والذين فقدوا وظائفهم ونزحوا لماليزيا فوجدت هذه المدارس الخاصة بابا يسد حاجة بعض اليمنيين القادرين على العطاء في مجال التعليم، مع العلم أنه توجد كثير من العوائق أمام الطلبة وأولياء الامور والمستثمرين في هذا المجال لا مجال لذكرها هنا.
ولذا نطالب الحكومة الشرعية والسفارة اليمنية ووزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي بعمل حل عاجل لمشكلة التعليم بالنسبة لأبناء الجالية اليمنية في ماليزيا لتلافي اثارها الكارثية على مستقبل اليمن ومستقبل الجيل القادم.
*رئيس اتحاد اللاجئين اليمنيين في ماليزيا