كمبيوتر الطالب طارق الصريمي تحطم عنادا للشرعية التي يبدو أنها تخلت عن مواطنيها مقابل رغد العيش الذي يجب أن ينعم به موظفيها في مقرات اقامتها في الرياض أو في عدن أو في السفارات، لم تعد تدفع مرتبات الناس إلا في بعض المناطق وفقا لرغبة بعض قوى التحالف التي تراهن على فشل معركة تحرير البلد من قبضة الانقلاب.
هذا الكمبيوتر الذي شاهده العالم في وسائل التواصل الاجتماعي وهو يتناثر كقطع البلور ليس فارغ المحتوى ولم يأت للطالب بسهولة، فشراء جهاز ليس مسألة سهلة بالنسبة لطاب مبتعث إلى ماليزيا، يجب أن يكون أهل الطالب مقتدرين حتى يشتري جهازا يتوافق مع متطلبات دراسته، يظل الطالب اليمني حاملا جهازه طيلة سنوات دراسته خوفا عليه من الضياع او السرقة، فهو رأس ماله الحقيقي ينام معه ويصحو معه ويدرسان معا، وليس من السهولة تخلي طالب عن الكمبيوتر، ما قام به طارق هي عملية احتجاج بالغة القسوة، عل رسالته تصل إلى الحكومة.
والحديث هنا عن الحكومة ليس نقدا لنص ادبي كتبه رئيس الوزراء وراجعه نوابه، وليس نقدا حزبيا ولا سياسيا ولا دعائيا، على المستوى الشخصي أنا أحترم وأقدر وأعز دولة الرئيس الدكتور أحمد عبيد بن دغر، وكذلك بالنسبة لنائبه وزير الخارجية عبد الملك المخلافي، ولا توجد بوادر لحقد من أي نوع الأول من زمرتي والثاني من قريتي، وبقية الوزراء أعرف بعضهم ولا بعضهم لا، ما أريد قوله أن الحكومة رائعة بأشخاصها، وإن كان هناك شيئا من فساد فهو خارج إطار اهتمامي في هذه المرحلة، لكن أداء هذه الحكومة سيئا للغاية، متى تكون الحكومة سيئة وتشبه خالتك زوجة ابيك؟ عندما لا تدفع راتبك وتتركك تتضور جوعا لأشهر وأشهر وهي تتنعم بصرف مستحقات الوكلاء والوزراء.
كانت حكومات العهد البائد تؤخر مستحقات الطلاب وتدفع مرتبات أهلهم في اليمن شهريا، إلى أن صار هذا العهد الجديد حيث لا أمك تستلم راتبها ولا أنت تستلم مستحقاتك، والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضة لكنها تحابي الحكومات على أية حال، "نحن نمر بظرف استثنائي" جملة اعتراضية لا محل لها من الإعراب، إذا كان هذا الظرف استثنائيا فليكن على الجميع، وإن كان غير استثنائيا فليكن للجميع.
من ستة أشهر لم يستلم الطلاب في الخارج مستحقاتهم، الربع الثاني والثالث والأن جاء موعد الربع الرابع والمستحقات أيضا لم تصل، والحكومة تصرف منشورات على الفيس وتغريدات على تويتر، لكنها لا تسمن ولا تغني من جوع، لا صاحب المطعم الهندي يقبل أن يدين الطالب اليمن "برياني وناسي جورين وناسي أيام" لمدة سنة ولا المؤجر الصيني يقبل أن يتأخر الدفع عن تاريخ 2 من كل شهر، والطلاب صاروا يستحون من المرور من أمام المطاعم خوفا من "هات الفلوس الي عندك" ويكتمون أنفاسهم عندما يسمعون قرع أبواب الشقق، فأكيد أن المؤجرين وصلوا.
الحكومة هذه لم تأت من الفضاء الخارجي وكل أفرادها من أولاد الفقراء وعانوا في حياتهم، العجيب أن الفقراء عندما يصلون إلى الحكم في الشرق الأوسط تنبت لهم ريش نعام في الخلف تنسيهم أيام السكع واللكع، وإلا لما أخروا مستحقات المساكين من الطلاب.
في ماليزيا زارنا وزير التعليم العالي وتفهم الوضع وحمل هم الطلاب معه وغادر وأصابه النسيان، -وطبعا ما أنساه الا الشيطان- فأتى نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية وشرحنا له الوضع، واستمع للطلاب بشكل عام، وعاد محملا بأحلام البسطاء من خيرة أبناء البلد إلى الحكومة وأصابه النسيان أيضا، مع أنه كان متأثرا بأقوى قوته، وأتى وزير السلال الغذائية والإدارة المحلية، وعندما تقدمنا بطلب إنساني إليه أن يحتسب عدد النازحين الذي يصلون تقريبا إلى 30 الف مواطن يمني في ماليزيا، وستة ألف طالب من ضمن المستحقين للمساعدات، هز رأسه ضاحكا، ربما لعلمه أن السلال الغذائية ضالة طريقها لامحالة!، كان رمضان على الأبواب والناس في جوع وخشوع، لكن معاليه قلبه لم يتحرك، ولم تدمع عيناه كما دمعت عندما التقى بوالدته حفظها الله وبكينا لبكائه.
لست ضد الحكومة ولا ضد طرفا فيها ولست مع طرف، هذه الحكومة إما أن تعيش حياة شعبها وطلابها وإما أن تموت، وأنا شخصيا لا أحب الموت وانصح بمعالجة الحكومة إنسانيا، عن طريق وخز ضميرها ولو بالإبر الصينية المذحلة، يجب أن تستفيق من سباتها وتكون مستوعبة أن الظرف الاستثنائي قد زاد عن حده.
دول التحالف الداعمة للشرعية من المستحيل أن تنظر دولة من دوله إلى حالة الطلاب والموظفين في الداخل، فهم فقط يساعدون الشرعية في البقاء على قيد سجلات الأغنياء، هناك حاجات أساسية يتناسونها جميعا، كاحتياج الناس للخبز، ودعم الناس في مناطق النزوح سواء في الداخل أو الخارج، ماذا يعني وجود بضع مئات من الطلاب في عدد من دول العالم بدون مرتبات! تستطيع أضعف دولة في التحالف دفع مستحقاتهم بهدوء، لكن اسمه تحالف دعم الشرعية وليس تحالف دعم الشعب اليمني، وهناك فرق.
الدكتور حسين باسلامة وزير التعليم العالي المحترم بعد التحية أنت المسؤول الأول عن التعليم العالي، وأنت رجل اكاديمي فاضل وبيروقراطي محترم ولست مهتما لا باللايكات ولا معك حزب ولا أنت منتظر منصبا أهم، ولا يهمك هذا المنصب التعيس وأنت صاحب قرار، لذا متابعة ما يتعلق بالطلاب ومستحقاتهم أولها جزءًا من اهتمامك، والطالب طارق الذي أجبرته الظروف المعيشية والدراسية على تحطيم حاسوبه الشخصي يحتاج إلى شراء جهاز كمبيوتر لا تزيد قيمته عن 1500 دولار، فتكرموا بالتوجيه له بذلك وليتوقف هذا العبث بالطلاب، فهم كما تعلمون أمل هذه الأمة، ولكم جزيل الشكر.
*الموقع بوست.