قرر وزير الخارجية الأمريكي الذي يغادر وزارته اليوم، أن يلقي بالعتب على الرئيس هادي لأنه لم يقبل بخطته التي تفاهم بشأنها مع الحوثيين إبان زيارته إلى مسقط في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي.
استدعى هذا التصريح رداً من مستشار الرئيس هادي عبد العزيز المفلحي، الذي حاجج بأن الحكومة هي التي وقعت على مسودة اتفاق الكويت، في الوقت الذي رفضه الحوثيون، ليبرهن أن الرئاسة والحكومة منحازتان للسلام على طول خط المشاورات التي شهدت عدة جولات.
كان اليمن إذاً على شفى كارثة حقيقية إن قبل الرئيس هادي بخطة الوزير كيري، ليس لأن تلك الخطة همشت دور الرئاسة والحكومة، بل لأنها ضحت بهما مقابل منح الانقلابيين ما لا يستحقونه من مكافأة البقاء في المشهد السياسي تأسيساً على النفوذ العسكري الذي نجم عن وضع اليد على الإمكانيات العسكرية للدولة اليمنية.
ثمة تزامن بين الحمولة التشاؤمية التي ألقاها الوزير المنصرف كيري، وبين التصريح المتفائل الذي أطلقه الرئيس الأمريكي الجديد الذي سيتسلم السلطة الجمعة، دونالد ترامب، أمام احتفال لتجمع يخص أصحاب ربطة العنق السوداء، عندما أكد أن اليمن سيكون إحدى أولوياته.
الأمر لا يحتاج إلى تنجيم، فهذا الاهتمام سيكون بالتأكيد جزء من رؤية أوسع لهذا الرئيس المندفع، تجاه منطقة الشرق الأوسط وفي قلبها الجزيرة العربية والخليج وبلاد الشام والعراق، وأبرز ملامح هذه الرؤية هو الموقف المتشدد من إيران والمهاد تجاه المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي.
لكن ترامب لن يستطيع تجاوز الخطوط التي ترسمها المؤسسة الأمنية الأمريكية التي لا تزال تنظر إلى اليمن باعتباره مجالا لنفوذ “القاعدة” و”داعش”، التنظيمين الإرهابيين اللذين يحتلان موقع الأولوية في الحرب الأمريكية في منطقتنا، والذي بسببه دفع اليمنيون ثمناً باهضاً عندما قررت المؤسسة الأمنية الأمريكية أن أفضل طريقة لمواجهة الإرهاب الآتي من اليمن هو إطلاق العنان وفك القيود عن التنظيم الإرهابي الطائفي والموتور المرتبط بإيران، وأعني به الحوثيين، ليدخل في حرب مفتوحة مع اليمنيين الذين أدرجهم جميعاً في خانة الإرهاب الذي يتعين قتله وتشريده وتفجير منازله وقراه ومدنه.
المحك الحقيقي لاختبار موقف الرئيس ترامب سيتمثل في طبيعة الإجراءات التي سيتخذها، وعما إذا كان سيعتمد رؤية الوزير كيري وطاقم الخارجية التابع للوزير الديمقراطي، والذي عمل في إطار الالتزام الكامل بنصائح المخابرات، أم أنه سيقدم مقاربة مختلفة ترددت بعض الأنباء عن أنها ستكون أقرب إلى اعتماد أو تبني رؤية التحالف العربي.
الحرب في اليمن تمضي قدماً وإن بوتيرة بطيئة ولكنها تحقق أهدافها، وتؤكد حقيقة أن الحسم ربما يكون الخيار المتاح المتبقي بعد أن أظهر الانقلابيون موقفاً متصلباً من مسالة الالتزام بالمرجعيات وبتنفيذ القرار رقم 2216 الصادر عن مجلس الأمن بشأن اليمن تحت الفصل السابع.
كاد الانقلابيون أن يحصلوا على ما يريدون، عبر مبادرة كيري المثيرة للجدل، لولا الرفض الواضح الذي أظهره الرئيس عبد ربه منصور هادي وحكومته لهذه المبادرة، إذ كيف يمكن أن تنتهي الأزمة بتمكين كبير للعصابة الإجرامية الحوثية في جسم الدولة اليمنية، والجميع يعلم أن إجراء كهذا إنما يزرع ألغاماً يمكن أن تفجر سلسلة لا نهاية لها من العنف والاحتراب في بلد هش سياسياً واجتماعياً.
لا شيء أفضل من وضوح الأهداف في المعركة، التي تجري اليوم على الساحة اليمنية، ويشترك فيها التحالف العربي بدور جوهري ومؤثر، فوضوح كهذا يمكن له أن يحتوي أي انحراف في المواقف الدولية من الأزمة والحرب في اليمن، ونحتاج أيضاً إلى وضوح مماثل في العلاقة بين أطراف جبهة الشرعية إنه السلاح الأمضى في هذه المعركة التي يجب أن تتحرر قدر الإمكان من الغموض.