حينما يقل الضغط العسكري على المخلوع صالح، يجد الوقت مناسباً ليقوم ببعض الاستعراضات السياسية، وينفذ بعض الهجمات الكلامية على الرئيس عبد ربه منصور هادي وحكومته وعلى جبهة الشرعية والتحالف العربي. اختار المخلوع صالح هذه المرة أن يلتقي بعدد من الشخصيات التي تنتمي لجزيرة سقطرى الواقعة على المحيط الهندي، ليواصل هجومه الذي لم ينقطع على الرئيس عبد ربه منصور هادي، ويكرر تخرصاته بشأن عدم إمكانية عودة هادي إلى السلطة، مسكوناً بوهم مفاده أن السلطة هي بيد من يحكم السيطرة على صنعاء. إنه جهل بالتاريخ، فاليمن كان أقوى عبر التاريخ عندما كان يحكم من إحدى المدن المشيدة على طريق البخور، من “رأس بلحاف” على البحر العربي، وحتى مدينة “معين” في محافظة الجوف مروراً بالعاصمة الأشهر “مأرب”. واحدة من أهم أسباب غيضه من الرئيس هادي، إصرار هذا الأخير على الحضور في قلب الجغرافيا والبقاء في عدن وزيارة المكلا التي كانت قد فخخت بكتائب القاعدة المفرخة من الأمن السياسي والأمن القومي في صنعاء، الأمر الذي استفز صالح ودفعه للبحث عن أسباب أخرى منها أن المملكة العربية السعودية ضاقت بالرئيس وبحكومته وأعادتهم إلى اليمن، ليتحول وجود الرئيس في بلده وفي العاصمة الاقتصادية والتجارية والعاصمة السياسية المؤقتة عدن عقوبة فرضتها المملكة على حلفيها هادي.
لا يحتاج المرء إلى سعة اطلاع لكي يدرك أن واحدة من أهم أهداف التدخل العسكري للتحالف العربي في اليمن هي إعادة السلطة الشرعية إلى البلاد، لذا نرى هذا التطورات العسكرية المثيرة للاهتمام وخصوصا في صعدة وشبوة وفي جبهة نهم القريبة جداً من صنعاء. لكن أكثر ما تسبب في إغاضة المخلوع صالح التطورات التي أحرزها الجيش الوطني مؤخراً وأههما استكمال تشكيل وحداته، وانتظام حصوله على المرتبات وهي ميزة يفتقدها الانقلابيون الذين ازداد عدد المنضمن من الجيش السابق الذي قاتل معهم إلى صفوف الشرعية بسبب إدراكهم لعبثية المعركة التي يخوضونها مع هؤلاء الانقلابيين ولأنهم لا يقوون على التضحية بكل شيء من أجل لا شيء. أعاد المخلوع صالح سرد معلومات لطالما سمعناها منذ اليوم الأول لتولي الرئيس هادي السلطة، وتتعلق بتلقيه أموالاً من المملكة العربية السعودية، وأنا لست هنا في وارد الدفاع عن موقف الرئيس أو تفنيد هذه المعلومات، لكن ما لفت نظري هو هذا الانشغال الذي يبديه المخلوع صالح وحلفاؤه الحوثيون بالمال الذي يتلقاه أنصار الشرعية، على نحو يدفع إلى الاعتقاد بأن انتقال عمليات البنك المركزي من صنعاء إلى عدن كانت هي الانتصار الأكبر الذي حققته الشرعية على الانقلابيين وهو الهزيمة المرة التي لم يعترف بها الانقلابيون حتى الآن، لكنها تتجلى في صرخاتهم المشحونة بالغيض واليأس. أراد المخلوع صالح بلقائه ممثلين عن سقطرى لكي يعطي انطباعاً بأن لقاءه بمثثلين عن مديرية بني حشيش الواقعة على التخوم الشرقية لمدينة صنعاء قبل ذلك، لم تكن مدفوعة بهاجس القلق من تقدم وشيك للجيش الوطني تجاه المعقل الأهم للانقلابيين، وأعني به العاصمة صنعاء، وأراد أيضاً أن يكرس الوهم بأنه لا يزال يتمتع بنفوذ في أنحاء البلاد بما فيها المحافظات الجنوبية.
كان صالح يفرض سيطرة مطلقة على المحافظات الجنوبية وعلى جزيرة سقطرى بالجيش وبالأجهزة الأمنية التي ينتمي منتسبوها تحديداً إلى المحيط القبلي لصنعاء أي مجال نفوذه العشائري، ولكنه اليوم فقد السيطرة بخروج هذا الجيش من تلك المحافظات، كما سبق وأن توقعنا ذات يوم، في هزيمة لن تعيده أبداً جيشاً كما كان، خصوصاً وأن الجيش السابق الذي ظل يوالي المخلوع صالح يواجه اليوم صعوبة في الحصول على المرتبات، وهذه نقطة حساسة جداً لهذا الجيش على وجه الخصوص الذي يتلزم عقيدة الغنيمة، وتحكمه عقدة الاستحواذ على السلطة، أكثر من عقيدة استعداده للتضحية من أجل دولة ووطن لكل اليمنيين.