حين يصبح خيار الحرب ضد اليمنيين المحكّ الذي تلتقي عنده شبكة التحالفات السياسية المحلية، فإنه يظل الضابط لأدائها السياسي العام؛ فبقدر ما كان إعلان إنشاء المجلس السياسي الأعلى بين جماعة الحوثي وعلي عبدالله صالح، في أغسطس/ آب الماضي، خطوةً عمياء أسهمت في تعقيد المسارات التفاوضية مع السلطة الشرعية، لم يعد ذلك الإطار السياسي على الحليفين بأي إيجابيات تذكر على الصعيد السياسي داخلياً وإقليمياً، إذ ما زالت اللامؤسسية السمة البارزة في إدارتهما المناطق الخاضعة لسيطرتهما، وما ترتب عليه من استمرار تكريس الإجراءات الانتقامية ضد المواطنين، كما لم يحظَ المجلس السياسي باعتراف إقليمي أو دولي، على الرغم من الزيارات المكوكية لبعض دول الإقليم. ومن هنا، فإن إعلان الحوثيين وصالح تشكيل حكومة إنقاذ وطني، كما يطلق عليها إعلام الحليفين، تتجاوز مضامين حكومة الحرب الداخلية، لتؤسس في المستقبل منحى تفتيتياً لليمن الموحد.
يقتضي تحليل دوافع تشكيل حكومة جماعة الحوثيين وصالح، أولاً، إدراك المتغيرات السياسية والعسكرية داخل بنية هذا التحالف التي جعلت من تشكيل الحكومة أمراً لا بد منه، في هذا التوقيت الحرج من عمر تحالفهما، ففي حين يزعم متفائلون أن تشكيل الحكومة وتوقيتها خطوة موجهة بالأساس ضد تحالف السلطة الشرعية، ممثلة بالرئيس عبد ربه منصور هادي، إلا أن الواضح أن هذه الخطوة محاولة أخيرة لترتيب البيت الداخلي، لجبهة تحالف الحرب الداخلية، إذ مثل تعثر تشكيل الحكومة بين الحليفين منذ أكثر من ثلاثة أشهر، منذ الإعلان عن تشكيلها وتسمية رئيس للوزراء والخلافات حول أسماء المرشحين، تأكيداً لمستوى الانقسامات السياسية
داخل هذا التحالف، ولحدة التجاذبات التي عطلت مقدرتهما على إيجاد أرضية مشتركة بينهما، عدا الحرص على استمرار الحرب ضد اليمنيين. إضافة إلى تبادل الاتهامات والمسؤولية بين الحليفين في فشلهما في إدارة المناطق الواقعة تحت سيطرتهما، وتدهور الأوضاع الاقتصادية ووصولها إلى شفا المجاعة.
لا يمكن بأي حال الاعتقاد بحصول حكومة الحوثيين وصالح على اعتراف محلي أو دولي، إذ لا يزال التعاطي الاقليمي والدولي مع الإجراءات الانفرادية التي يقوم بها الحليفان، بين وقت وآخر، باعتبارها سلطة إكراه لا أكثر، كما من الصعب الاعتقاد بأن يسهم تشكيل الحكومة في زحزحة الخلافات بين الحليفين، وعدا عن وضع الحليفين، لأول مرة ربما منذ بدء الحرب، في محكٍّ مباشر مع جمهورهم المحلي، وخصوصاً فيما يتعلق بإدارتهما احتياجات المواطنين الواقعين تحت سلطتهما، الذي سيتسبب في انكشافهم سياسياً على المدى القريب، كما أن تشكيل الحكومة بالطريقة التي تمت بها قد يكون مدخلاً حقيقياً لتقويض أسس هذا التحالف الذي يستمد استمراريته من استدامة الحرب. حيث أن شراكتهما في تحمل المسؤولية المباشرة في إدارة سلطة المناطق الواقعة تحت سيطرتهما قد يفجر الخلاف بينهما، إذ سوف يساهم تعدّد القرار السياسي داخل هذه الإدارات إلى صدام مباشر. كما يبرز هذا الخلاف المستتر بين الحليفين في التركيبة السياسية للحكومة، فعدا عن تضخم الجهاز الحكومي إلى 42 وزيراً، فإن سيطرة جماعة الحوثي واضحةٌ في تسيده الوزاري، قياساً بالتمثيل الضعيف لصالح في الحكومة، سواء من حيث الأسماء أو الحقائب، على الرغم من محاولته تطعيم الحكومة بوزراء جنوبيين من حزبي المؤتمر الشعبي العام والتجمع اليمني للإصلاح، للتغطية على الطابع الانفصالي للحكومة.
بعد أكثر من عشرين شهراً من الحرب، تؤكد الظروف السياسية والاقتصادية في اليمن على انعدام أي فرص حالية أو مستقبلية لنجاح الحكومة، حيث يشكل انعدام الموارد الاقتصادية التحدّي الأول أمامها، ليس فقط في توفير احتياجات المواطنين الواقعين تحت سيطرتها، وإنما في توفير نفقتها التشغيلية، كما يمثل فشل سلطة الحوثيين في تسليم رواتب موظفي الدولة للشهر الرابع على التوالي تحدياً آخر، ولا يمكنها الاستمرار بإدارة مؤسسات الدولة، عبر حملات التبرع للبنك المركزي، كما فعلت سابقاً. إن تشكيل حكومة من دون مهام ومن دون أدوات ووسائل لن يكون سوى إشهار لحالة عجز الحليفين عن إدارة سلطتهما، خلافاً للحكومة الشرعية التي، على الرغم من الخلافات البينية داخل أجنحتها، فإنها تحظى بتمويل سعودي، إضافة إلى شرعية سياسية، إلا أنها، على الرغم من عوامل التفوق هذه، ما زالت عاجزةً هي أيضاً عن إدارة المناطق المحرّرة الواقعة تحت سيطرتها.
خلف كل العنتريات والدعاية الدوغمائية التي اجترحها تحالف الحوثيين وصالح، بصبغ تشكيل الحكومة ببعد سياسي ما، أو إيهام اليمنيين بأن هناك إيجابية ما من وراء تشكيلها، فالأكيد هو أن خلف هذا القرار إرادة نافذة لصالح الذي يمثل تشكيل الحكومة في هذا التوقيت آخر قرار
سياسي في جعبته، ممهداً لوضع أسس شكل اليمن المستقبلي، إذ لطالما هدّد صالح، منذ إخراجه من السلطة عقب ثورة فبراير بـ"صوملة اليمن"، ويبدو أن هذا التهديد لم يعد خطاباً انفعالياً، وإنما واقع نجح صالح وغباء خصومه السياسيين في تكريسه مخرجاً لاستطالة أمد الحرب، حيث أدرك صالح أن فشله، وكذلك فشل خصومه، في حسم الحرب عسكرياً وانسداد أفق المفاوضات السياسية، سيفضي إلى إيجاد وضع سياسي واجتماعي، يعزّز من بنية الانقسام، ويهيئ لفوضى سلطات سياسية متعددة ومتقاتلة. ومن ثم، سيعزّز هذا التشرذم السياسي، والاحتقانات الاجتماعية التي أنتجتها الحرب، من حالة استقرار إلى فوضى السلطات، وبالتالي، فإن "الصوملة" هي النمط القادر على البقاء، خصوصاً في ظل تقاعس المجتمع الدولي لحل الأزمة في اليمن.
في واقع الحرب اليمنية، تتقاطع تطورات جبهات المعارك مع ما تفرضه الإرادة السياسية لأطراف الصراع اليمنية وحلفائهم الإقليمين، لتطوي إلى الأبد صفحة اليمن الموحد، وأن اليمن الجديد الذي تمخضت عنه ذهنية المتحاربين بلاد مزقتها الحرب، تعوم فيها فوضى سلطات متعدّدة، لا تحكم بقدر ما تفاقم معاناة اليمنيين. وبالطبع، يتعدّى هذا الواقع مخاوف الانفصال بين شمال اليمن وجنوبه إلى تفتيت الكيان اليمني إلى غيتوهات مناطقية وطائفية متحاربة.
* نقلا عن العربي الجديد