لا غرابة ان يتحدث السيد كيري بتلك اللغة وبتلك الطريقة التي تتناسب مع رؤيته لطبيعة الصراعات في هذه المنطقة منطلقاً من ان التضحيات الضخمة التي تنتج عن الحروب لا تحركها غير قضايا هامشية لا يجوز التوقف أمامها كثيرا على عكس الحروب التي خاضها غربهم على مدى التاريخ .
لا يجب توجيه اللوم الى كيري او الى منظومة المفاهيم التي كرستها سنوات الغلبة والاستقواء التي حكمت علاقة العرب ببعضهم وما رافقها من استقطابات انتهت بالعرب الى ما هم فيه من وضع يسهل فيه ابتزازهم وعرقلة قراراتهم المستقلة . كيري الان لا يرى التدخل الإيراني في المنطقة خطرا على أمنها لان ايران لم تعد تشكل خطرا عليه فمعيار الخطورة عنده يتحدد بسلامة أمنه اولا واخيراً ، وما دون ذلك يمكن معالجته بمثل تلك السطحية التي لا يكلف فيها نفسه مجرد البحث ولو بقدر بسيط من الاهتمام عن شيء اسمه أمن المنطقة لانه يعتقد ان أمن هذه المنطقة لا يتكون الا من عنصر واحد وهو مكافحة الاٍرهاب حيث ان على دول هذه المنطقة ان تبقى على استعداد دائم للانخراط في هذه العملية التي لا يعرف لها نهاية .. ناهيك عما يعتقده من انها هي مصدر هذا الاٍرهاب!!
لا ننتظر ان تراجع أميركا والغرب منظومة المفاهيم تلك او تعيد النظر فيها من تلقاء نفسها ما لم يتغير واقع الحال بتوليد شروط التغيير ولو بالحد الذي يسمح في الوقت الحاضر بفرض معادلة متوازنة لمفهوم الأمن في المنطقة وهي المعادلة التي يمكن ان تشكل المحرك الأكبر للوصول الى حل دائم لاستقرار المنطقة وتجنيبها الحروب ، واليمن وقد كانت الضحية الاولى لهشاشة الأمن في هذه المنطقة والتي رتبتها عقود من المواجهة الصامتة والاستقطابات العشوائية لا يمكن ان تواصل لعب دور الضحية سواء باستمرار الحرب لمجرد الحرب او بتسوية هشة تعيد انتاج الحروب على نحو اسوأ.
لا يكفي ان نسمع من الحكومة رفضاً لتصريح كيري ، فما يهم هو ان يعرف الناس كيف تفكر الحكومة والتحالف في هذا الظرف المعقد ، هناك غموض يبعث على الارتباك ربما ان التصريحات النارية لا تكفي لإزالته بل تزيده غموضاً .. المطلوب رؤيا واضحة للتعاطي مع المشهد ومسئولية التحالف عن هذه الرؤيا أساسية من غير شك .