عامر راشد
سيطرة الحوثيين على القصرين الرئاسي والجمهوري في صنعاء يضع الأزمة اليمنية في أفق مسدود، وبداية تفكك سريع لما تبقى من رمزية الدولة.
الخطوة الدراماتيكية التي أقدمت عليها جماعة "أنصار الله" الحوثية بمهاجمة القصرين الرئاسي والجمهوري في صنعاء، والسيطرة عليهما، أطاحت بالعملية السياسية الهادفة إلى استكمال ما تبقى من المرحلة الانتقالية، التي بدأت بعد عزل الرئيس السابق على عبد الله صالح، استجابة لمطالب الحراك الشعبي المعارض. والساعات القليلة القادمة، وربما الأخيرة للرئيس عبد ربه منصور هادي في سدة الحكم، ستكشف عن الشكل الجديد لليمن، وهو ما أعلنه أحد قادة الحوثيين.
الشكل الجديد لليمن هو الغرق في نفق من الصراعات بأفق مسدود، رغم ادعاء جماعة "أنصار الله" الحوثية بأن تحركها العسكري غايته تصويب العملية السياسية، بتطبيق اتفاق "السلم والشراكة". ولعله من المفارقات غير المفهومة أن تلجأ الجماعة إلى استخدام القوة، وبسط سيطرتها المسلحة على مؤسسات الدولة، لتنفيذ اتفاق يفترض في عنوانه العريض تمسك الجميع بنهج سلمي لتسوية الأزمة الداخلية اليمنية، والشراكة الوطنية بين كل المكونات السياسة والاجتماعية لبناء اليمن الجديد.
بون شاسع بين ما يدعو إليه الحوثيون في خطابهم السياسي والإعلامي، وبين نهجهم على الأرض، بممارستهم لسلطة أمر واقع يستفردون فيها بتقرير مصير البلاد ومستقبلها، دون إعفاء المكونات الأخرى من ارتكاب أخطاء أضرت بالعملية السياسية لإدارة وإنهاء المرحلة الانتقالية بنجاح، ويتحمل الرئيس عبد ربه منصور هادي شخصياً مسؤولية خاصة في هذا المضمار، غير أن معالجة الأخطاء لا تكون بارتكاب أخطاء أكبر وأشد فداحة بما لا يقاس، فالسيطرة المسلحة على القصرين الرئاسي والجمهوري، ومحاصرة الرئيس هادي ورئيس الوزراء خالد بحاح، القشة التي ستقسم ظهر ما تبقى من رمزية الدولة اليمنية.
التصعيد لم يكن مفاجئاً لأحد، بل كان متوقعاً على نطاق واسع، بعد إقدام الحوثيين على اختطاف عوض أحمد بن مبارك، مدير مكتب الرئيس اليمني، يوم السبت الماضي، وتهديدهم بمنع مناقشة مسودة الدستور اليمني الجديد، في الهيئة الوطنية للرقابة على مخرجات الحوار، قبل إدخال تعديلات جوهرية على المسودة المقترحة، وإحداث تغيير في عضوية الهيئة، التي لا تحوز على رضى الحوثيين وحلفائهم من مؤيدي الرئيس السابق علي عبد الله صالح.
وبات جلياً أن الحوثيين أمعنوا باستخدام القوة ضد المؤسسات الشرعية، بذريعة الحفاظ عليها وعلى وحدة اليمن، ولن يترددوا في المضي بهذا المسار، حتى ينتزعوا مطالبهم المعلنة، وهي مطالب مستحيلة التحقيق إذا ما أرادوا الحفاظ على وحدة اليمن، فهم يمثلون مكوناً مجتمعياً بعينه لا يمكنه تغييب المكونات الأخرى، ومحاولات التغييب التي مورست حتى الآن أضفت على الصراع السياسي بعداً مذهبياً، يثقل على الجهود المبذولة لتسوية الأزمة، بوساطة دولية وعربية خليجية.
ويمكن الحديث راهناً عن مرحلة ما بعد الرئيس عبد ربه منصور هادي وحكومة الوفاق الوطني، فالحلول التي قد يخرج بها الاجتماع الذي دعا له الرئيس هادي، بمشاركة الأطراف الموقعة على اتفاق "السلم والشراكة"، لن تحظى بإجماع وطني تحت التهديد بقوة السلاح، ولا يوجد ما سيضمن تنفيذها بافتراض موافقة مؤسستي الرئاسة، ومجلس الوزراء والمكونات السياسية الأخرى، على تقديم المزيد من التنازلات للحوثيين وأتباع الرئيس السابق، على عبد الله صالح، حيث جرب هذا مراراً في السابق، وقابله الحوثيون ومؤيدو صالح برفع سقف مطالبهم.
لقد فرض الحوثيون بسيطرتهم على القصرين الرئاسي والجمهوري واقعاً سياسياً وأمنياً جديداً في اليمن، سقطت فيه الخطوط الحمراء، التي كان يعتقد حتى أيلول (سبتمبر) الماضي أن المكونات السياسية ستلتزم بها، ومنها محذور المس بالمؤسسات السيادية الدستورية والوحدة الوطنية.
واليوم، الحوثيون ومؤيدو الرئيس السابق، على عبد الله صالح، معنيون باتخاذ قرار التراجع خطوة إلى الوراء، لإعادة فتح أفق التسوية السياسية، وتصحيح خطيئة استخدام القوة ضد الرئاسة ومجلس الوزراء، قبل أن تلفظ الدولة آخر أنفاسها، وتدخل البلاد في طور تفكك سريع، وأن يصلوا متأخرين إلى إدراك خطيئتهم أفضل من أن يصلوا بعد فوات الأوان.
وقت تقرير مستقبل اليمن يحسب بالساعات، وليس بالأيام والأسابيع، والساعات المقبلة ستحدد مصير الدولة اليمنية، بوقف تفككها السريع والمدوي، أو انهيارها التام وتحول اليمن إلى دولة فاشلة، تعصف بها صراعات مذهبية لا قاع لها، وسيكتوي الجميع بنارها التي ستمتد لتشعل العمق الإقليمي للأطراف المتصارعة في اليمن، الذي لطالما وصف في كتب التاريخ بأنه "اليمن السعيد".
/صوت روسيا/