مصطفى النعمان
حين انطلقت مشاورات/ مفاوضات الكويت في ?? مايو بقاعات «قصر بيان» وبرعاية مباشرة من أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد، توقع اليمنيون (أنا هنا أتحدث عن الأغلبية وليس باسمهم) أن يرتقي المجتمعون أخلاقيا وإنسانيا لو لمرة واحدة كي يطوي اليمن أبشع عام مر عليه منذ قرون.
يوما بعد يوم تثبت الطبقة الحالية من سياسيي اليمن أن القضايا الكبرى التي تمس حياة وأمن المواطنين ليست أولوية تشغل بالها، ومراجعة سريعة للتصريحات التي يطلقها الكثيرون منهم والتسريبات التي يوكلونها لمساعديهم وأجرائهم تعطي دلالة فاضحة للمستوى الأخلاقي والوطني الذي انحدرت إليه السياسة في اليمن.
خلال حكم الرئيس السابق علي عبدالله صالح الذي امتد من عام ???? إلى ???? تقلص مستوى الأداء الأخلاقي والسياسي للدولة حتى بلغ أسوأ مرحلة في سنواته العشر الأخيرة، وساهم في ذلك الذين حكموا معه والكثير من قيادات الأحزاب التي لم تتبدل منذ بدأ العمل الحزبي في اليمن وهو (أي صالح) اتبع سياسة شقها والإكثار منها ولم تعد تقدم شيئا إيجابيا نافعا إلا لقادتها الذين أصبحوا من جلسائه الدائمين وإن انقلب بعضهم عليه أخيرا هروبا من اكتمال غرق المركب.
الأمر لم يختلف كثيرا بعد رحيل صالح، وذاك أمر طبيعي؛ لأن الطبقة السياسية الفاعلة والحزبية المترهلة التي تلته لم تتمكن من الارتقاء ذهنيا ووطنيا وظلت محكومة بمصالح قادتها والمرتبطين بهم، وخلال المرحلة (???? - ????)، تفككت مؤسسات الدولة وصارت جزرا لا يتحكم فيها أحد، ما مكن القوة الوحيدة المنضبطة هيكليا (أنصار الله - الحوثيين) الانقضاض على كل ما خلفه صالح في الجهازين العسكري - الأمني والإداري، وأضحت قوة أمر واقع لا ينافسها أحد حاليا، لكنها في المقابل لم تتعامل بمستوى أفضل من سابقها أخلاقيا ووطنيا مع الدولة كجهاز لا يجوز العبث بمكوناته وهيكليته، ولم تضع خطا فاصلا بين مفهومي الدولة والسلطة؛ لأنها لم تستوعب الفرق الجوهري بينهما، فالدولة كيان معنوي له تقاليد راسخة لا تتبدل بتغيير الحاكم في حين أن السلطة يتبدل وجهها بوسائل وأساليب تناسب طبيعة الظروف والمتغيرات الزمنية، وقريبا سيواجه اليمنيون فاجعة وطنية تضاف إلى مآسيهم حين يكتشفون أن كل يوم يمر دون توقف هذا النزيف والعبث الحوثي سيكون إضافة سلبية يصعب التعامل معها مستقبلا وسيجدون أن حلمهم في دولة عادلة صار سرابا.
اليمن اليوم محاصر بين قوة (أمر واقع) في صنعاء لاتدرك أهمية ووزن مفهوم (الدولة) والتزاماتها الأخلاقية والوطنية واُخرى تتشبت بشعار (الشرعية) دون قدرة مادية على القيام بواجباتها، وحيث إن خيارات الطرفين لا تعني المواطنين، فعلى ضيوف «قصر بيان» في الكويت الاعتراف بأنهم عاجزون عن تحقيق الإنجاز الوطني.
عكاظ