عمر عبد العزيز
تدخل المسألة اليمنية فضاء مزدوجاً في قابلياته، فمن جهة يمكن الحديث عن أزمة تعيد إنتاج خرائبها بوتائر متصاعدة، وبالمقابل يمكن الحديث عن قابليات واسعة لحلول سياسية حكيمة.. في الحالة الأولى، نحن إزاء ثقافة أمراء الحرب الذين كانوا وما زالوا يستمرئون الإدارة بالأزمة، ولا يستطيعون مغادرة مألوف عاداتهم، ومن جهة أخرى تنبري أمام المراقبين الحصيفين قابليات واسعة لإعادة الشرعية اليمنية، بكيفية تتناسب مع الحقائق الموضوعية على الأرض، وهي حقائق تستمد حضورها الفاعل من خلال المكونات السياسية والاجتماعية ذات الصلة بالماضي والحاضر معاً، فمن الحماقة السياسية التعامل مع هذه الحقائق بمنطق الاستبعاد الإجرائي والمصادرة والإلغاء.
ينطبق هذا الأمر على كل فرقاء القوة والمال والسلاح من طرفي الصراع الماثل، ومن هنا كنا وما زلنا نكرر القول إن المشهد اليمني لا ينبغي قراءته من خلال الثنائية النمطية الإعلامية الماثلة، والمحددة سياقاً بالشرعية مقابل التمرد، بل قراءة المشهد من خلال التعدد في كل طرف، والتقاطعات الأفقية التي ترينا معنى أن تكون المتناقضات الظاهرة تعبر عن وجهي عملة واحدة، فالمصطفون في صف الشرعية ليسوا في ذات المثابة، والمصطفون في الطرف المقابل ليسوا كذلك أيضاً، وهذا الاستنتاج ليس نابعاً من استيهامات عاطفية أو تنسيبات افتراضية، بل هي الحقيقة التي تجعلنا نستوعب المتغير السياسي بوصفه رافعة كبرى في معادلة الصراع والمغالبة، ويتسع هذا التغير للذاكرة الجمعية النابعة من تقاليد الماضي الحميد، كما أن المتغير السياسي نابع من تقاليد الماضي غير الحميد.
أمام فرقاء الساحة السياسية إمكانية كبرى لتبني جملة من الحلول السياسية الشجاعة، والتخلي الطوعي عن الإقامة في مألوفات الماضي القريب، وبهذا المعنى يمكن شرعنة الشرعية اليمنية عبر عتبة برلمانية انتخابية استباقية تمهد الطريق لمشاركة أفقية يتم فيها استيعاب ممثلي الأقاليم اليمنية، مع الأخذ بعين الاعتبار للمشاركة الجنوبية والشمالية في خصوصيتهما الناجمة عن مرجعية الوحدة الطوعية في عام 1990، والتوافق على حكومة وحدة وطنية، لتسيير الأمور نحو الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، عطفاً على مرئيات المبادرة الخليجية ونتائج مؤتمر الحوار الوطني، وما يستتبع من إجراءات واضحة المعالم لجهة نزع سلام الميليشيات أياً كان لونها وهواها الأيديولوجي، والعمل على بناء جيش وطني وفق معايير نمطية وبإشراف عربي ودولي.
تلك بعض الآفاق المتاحة في الحلول السياسية العاقلة، ودون ذلك السير في متاهة التقاتل العدمي الذي لا مستقبل له.
*الخليج الإماراتية