أحمد يوسف أحمد
يكشف التاريخ بجلاء عن دور بارز للكويت في اليمن منذ ثورته في 1962 التي وقعت بعد سنة وربع سنة من استقلال الكويت، فقد اعترفت بالنظام الجمهوري في اليمن بعد أقل من ستة أشهر على قيام الثورة، وقدمت له مساعدات سخية في المجالين التعليمي والصحي، وتمثل جامعة صنعاء والمستشفى الذي أنشأته الكويت في العاصمة اليمنية خير دليل على العون الكويتي الصادق لليمن الذي لعب دوراً أساسياً من دون شك في تنميته بعد الثورة. ولهذا كانت صدمة الكويتيين شديدة إزاء الموقف الذي اتخذه نظام صالح من الغزو العراقي للكويت. وقد أهلت العلاقات الطيبة مع كل من مصر والسعودية واليمن الكويت للقيام بدور نشط للوساطة في الصراع بين الجمهوريين والملكيين في اليمن في ستينيات القرن الماضي اعتباراً من مؤتمر القمة العربية في القاهرة 1964.
وقد لا يعلم كثيرون أن سمو أمير دولة الكويت الحالي كان آنذاك وزيراً للخارجية، وأنه بهذه الصفة قام بجهود واتصالات مكثفة تخللتها لقاءات مع الرئيس عبدالناصر والملك فيصل عليهما رحمة الله، ومساعديهما، وأن هذه الجهود والاتصالات قد أفضت إلى مقترحات قدمتها الكويت إلى كل من مصر والسعودية، وأن ممثلي الدولتين قد ناقشوا هذه المقترحات بحضور سمو الأمير الحالي وتوصلوا إلى مشروع اتفاق مبدئي، غير أن تصاعد الاستقطاب في المنطقة في ذلك الوقت حال من دون وصول هذه الجهود إلى غايتها المرجوة.
وها هو أمير الكويت يواصل بإخلاص جهوده لإنقاذ اليمن في هذه الظروف العصيبة فيبادر بلقاء وفدي المفاوضات اليمنية كلاً على حدة بعد أن أحس بأن المفاوضات تواجه عقبات حقيقية انعكست في مرور ستة أيام من دون أن تبدأ، ويقنعهما بضرورة العودة إلى طاولة المفاوضات والموافقة على جدول الأعمال المتفق عليه مسبقاً والمنبثق عن قرار مجلس الأمن 2216، ولعل حرصه على اليمن وصون شعبه كان أكثر صدقاً وإخلاصاً من بعض اليمنيين الذين أعمت المصالح الأنانية الضيقة بعضهم عن مصالح وطنهم.
عقدت المفاوضات الحالية في الكويت عقب جولتين فاشلتين، ومع أن الحوثيين وصالح قد تم تقويض قوتهم بوضوح إلا أنهم ما زالوا موجودين في مواقع مهمة أبرزها صنعاء بطبيعة الحال. وإذا كانت آفاق تعظيم قوتهم العسكرية مسدودة، أو على أحسن الفروض محدودة، فلعلهم يراهنون على لعبة الوقت ويأملون من خلال إطالة أمد الصراع أن تحدث انقسامات في قوى الشرعية أو يحدث تشتيت لجهودها ما بين الصراع معهم ومع التنظيمات الإرهابية، وكذلك مواجهة استمرار المطالبة من البعض في الجنوب بالاستقلال. ولذلك ظهروا في هذه الجولة التفاوضية بمظهر المتشدد، فقد أجلوا سفرهم إلى الكويت أياماً وماطلوا في حضور المفاوضات ووضعوا شروطاً للتفاوض من شأنها أن تخل بالنقاط المتفق عليها سلفاً لجدول الأعمال فركزوا على ضرورة وقف إطلاق النار وبالذات الغارات الجوية علماً بأن ثمة انخفاضاً ظاهراً في هذه الغارات وانتهاكات متبادلة لوقف إطلاق النار تقول قوى الشرعية إنها بالنسبة لها رد على انتهاكات الطرف الآخر. كما يطالب الحوثيون وصالح بالبدء في تشكيل حكومة وحدة وطنية للإشراف على تنفيذ قرار مجلس الأمن 2216. والحقيقة أن هذا تلاعب بالشرعية الدولية، فالقرار يطالب الحوثيين فوراً وبدون قيد أو شرط بسحب قواتهم من المؤسسات الحكومية ومن جميع المناطق الخاضعة لسيطرتها بما في ذلك العاصمة صنعاء، ووقف جميع الأعمال العدائية المسلحة ضد الحكومة والشعب اليمني، وتسليم الأسلحة التي استولوا عليها من المؤسسات العسكرية والأمنية. وهو في آليات التنفيذ لا يتحدث من قريب أو بعيد عن حكومة وحدة وطنية وإنما عن الالتزام بالمبادرة الخليجية ونتائج الحوار الوطني واتفاق السلم والشراكة. ولذلك فإن ما ذكرته إحدى خبيرات مجموعة «الأزمات الدولية» من أن تطبيق القرار بحذافيره يساوي استسلاماً كاملاً للحوثيين صحيح. أما قولها بأن هذا غير واقعي فمردود عليه بأنه غير شرعي، فضلاً عن كون الشرعية لها أنيابها وهي ليست مضطرة لتقديم تنازلات فيما يتعلق بمضمون القرار 2216 وإلا فلا مناص من استمرار القتال للأسف حتى تعود الشرعية. وقد أبدى المبعوث الأممي النشيط تفاؤله بأن مآل المفاوضات هو النجاح على رغم اعترافه بالصعوبات، ولكن طريق التفاؤل فيما يبدو لن يكون مفروشاً بالورود.
الاتحاد