محمد جميح
في 26 آذار/مارس 2015 كان الحوثيون قد أكملوا سيطرتهم على كامل التراب اليمني من أقصى حدوده الشمالية في محافظة صعدة، حتى أقصى الحدود الجنوبية على سواحل محافظة عدن.
كان الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي ليلة 26 آذار/مارس في رحلة الهروب الثاني من عدن إلى الرياض، لكنه كان لا يزال في الصحراء اليمنية قريباً من الحدود العمانية.
الحوثيون في النصف الأول من مساء 26 آذار/مارس كانوا يشعلون سماء صنعاء بالألعاب النارية وبإطلاق نيران أسلحتهم، وإشعال النيران على قمم الجبال في صنعاء التي دخلوها يوم 21 أيلول/سبتمبر 2014، واستمروا في احتفالاتهم طيلة النصف الأول من المساء، بإكمال سيطرتهم على جنوب اليمن، وعلى قصر معاشيق في عدن، ووصولهم إلى مياه بحر العرب، الأمر الذي جعل الإيرانيين يتبجحون بقولهم عن صنعاء، إنها رابع عاصمة عربية تسقط في أيديهم، وإن حدودهم تمتد من باب المندب إلى سواحل البحر الأبيض المتوسط.
ولكن المفاجأة جاءت!
طائرات حربية تحلق فوق مواقع الانقلابيين في صنعاء، وتبدأ عمليات قصف جوي عنيف على مخازن الأسلحة في جبال نقم وعطان والنهدين، وتكثف القصف على مدارج المطارات العسكرية، وتضرب مراكز الدفاعات الجوية للجيش التي سيطر عليها الحوثيون.
كان ذلك في الثانية بعد منتصف ليلة 26 آذار/مارس، وعقب انتهاء الحوثيين من احتفالاتهم في صنعاء بإكمال السيطرة على قصر المعاشيق الرئاسي في عدن.
أفاق الحوثيون على وقع المفاجأة، أبلغت واشنطن وموسكو بقرار «عاصفة الحزم» وتحدث وزير الخارجية السعودي عادل الجبير عن بدء تحالف عربي لإعادة الشرعية إلى اليمن، ودحر الانقلاب الحوثي.
تلاحقت الأحداث، وازدحمت شاشات التلفزيون بالأخبار العاجلة، الواردة من صنعاء، والرياض، وأبوظبي، ونيويورك، وواشنطن، وموسكو وطهران. طهران ـ بالطبع ـ أصابها شيء مما يصيب الذي غرق في حلم لذيذ وقصير، ثم أفاق على معادلات عسكرية وسياسية مختلفة.
في اليوم الثاني كان محمد جواد ظريف يرد على سؤال أحد الصحافيين، في مؤتمر صحافي عقده بالمناسبة، ويقول أن إيران لن تتدخل عسكرياً إلى جانب الحوثيين، ولكنها ستسعى من خلال الضغط الدبلوماسي لوقف العمليات العسكرية. لاحقاً أرادت إيران أن تنفض يدها من جريرة تغريرها بالحوثيين الذين وعدتهم بالوقوف إلى جانبهم، قالت طهران: إنها نصحت الحوثيين بعدم دخول صنعاء، وعدم التوجه إلى عدن، ولكنهم لم يستمعوا لها. نسيت طهران أنها ملأت الدنيا ضجيجا بحكاية سقوط «رابع عاصمة عربية» في يدها، وأن جسراً جوياً أعلنت عنه سيمتد ما بين صنعاء وطهران بعد دخول الحوثيين إلى صنعاء.
وتلاحقت الأحداث ويصدر مجلس الأمن الدولي قراره رقم 2216 ليتوج عدداً من القرارات فيما يخص الشأن اليمني، موسكو التي لم تكن راغبة في القرار، اكتفت بالامتناع عن التصويت عليه، ليمر القرار الأقوى والصادر تحت الفصل السابع.
واليوم، وبعد عام كامل من بدء العمليات العسكرية ضد ميليشيات الحوثي وقوات حليفها الرئيس السابق علي عبدالله صالح، أصبح الانقلابيون بعد ضرب مخزونهم من السلاح مهددين داخل صنعاء نفسها، حيث وصلت قوات المقاومة والجيش الوطني إلى مديرية «نهم» التابعة لمحافظة صنعاء نفسها.
انحسرت سيطرة الحوثيين التي وصلت إلى سواحل عدن في آذار/مارس 2015، لتنكمش إلى أقل من ثلث الأراضي اليمنية. على المستوى السياسي غادرت صنعاء معظم البعثات الدبلوماسية العربية والأجنبية، وبقي الانقلابيون ليواجهوا قدرهم الذي حفرته لهم طهران، التي غادر دبلوماسيوها صنعاء، ما عدا عناصر مخابرات، وأخرى تابعة للحرس الثوري الإيراني، تقدم بعض الدعم الاستشاري لوكلائهم في صنعاء.
وعلى المستوى الاقتصادي، صرح نائب الرئيس ورئيس الوزراء اليمني خالد بحاح أن الحوثيين استنزفوا نصف احتياطي اليمن من العملة الصعبة، وأن الاقتصاد على حافة الانهيار.
نشطت السوق السوداء، وتحول عدد من القيادات الحوثية إلى «غيلان» فساد بعد أن تحكموا في تجارة المشتقات النفطية، والمواد الغذائية، وجيروا ما يصل إلى المناطق التي يسيطرون عليها من مواد إغاثية لصالح قياداتهم، والمقربين منهم على أسس طائفية وسلالية.
واليوم، وبعد عام من الحرب أصدر الحوثيون وحليفهم علي عبدالله صالح إشارات موافقتهم على الذهاب لجولة ثالثة من المفاوضات في الكويت للبحث في تطبيق القرار الدولي 2216 الذي أعلنوا من قبل موافقتهم عليه، في رسالتين بعثوا بهما منفصلتين إلى أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون: واحدة باسم المؤتمر الشعبي العام، والأخرى باسم الحوثيين.
والاثنين الماضي غادر المبعوث الدولي إسماعيل ولد الشيخ صنعاء بعد يومين من التباحث مع الانقلابيين، وقبلها عقد سلسلة من اللقاءات مع مسؤولين يمنيين في الرياض للتمهيد للجولة الثالثة من المفاوضات التي يبدو أنه تم مبدئياً التوافق على أن تكون في الكويت، وعلى أن تعقد نهاية الشهر الحالي حسب بعض المصادر السياسية.
سيذهب الفرقاء إلى الجولة الثالثة للبحث في كيفية تنفيذ القرار الدولي 2216 الذي يعرف الانقلابيون أنه يتضمن الانسحاب من المدن وعدم التدخل في إدارة شؤون الدولة، وتسليم السلاح، وغير ذلك من البنود التي سيحاولون الالتفاف عليها، كما فعلوا في كل جولة مباحثات، ما لم يكن هناك إدراك منهم بأنهم يطيلون أمد معاناة الناس بمماطلاتهم، وما لم يدركوا أن الوقت لم يعد في صالحهم، وأن البلاد لم تعد تحتمل المزيد من التلاعب والمماطلة.