نبيل البكيري
ربما حتى الآن ما تحقق من معركة الانتصار في مدينة تعز لا يتجاوز الــ50% من متطلبات المعركة عسكرياً و الـ30 % إنسانياً فلا زالت المدينة تحت رحمة القصف الهمجي للألوية والمليشيات المحاصرة للمدينة من الجهة الشرقية حيث منفذ المدينة الرئيس الحوبان والجند.
لكن مع هذا ما تحقق من انتصار عسكري وبتلك الإمكانيات البسيطة المحدودة يعد انجازاً كبيراً و ربما سيدخل ضمن الدرس العسكري في الكليات و أكاديميات الحرب العليا مستقبلاً ، بالنظر إلى فارق القوى والتسليح بين الطرفين، حيث 13 لواء عسكري بكامل تجهيزاتها، تعد بمثابة قوات النخبة في الجيش اليمني السابق الموالي للرئيس المخلوع علي عبد الله صالح و آلاف من مليشيات الحوثي التي تدربت طويلاً في الحرب وفي دورات عسكرية مكثفة من قبل الحرس الثوري الإيراني على مدى أعوام مضت.
فيما في الطرف المقابل قوات المقاومة الشعبية و سرايا أولية كنواة للجيش الوطني، حيث لم تكن هذه القوة سوى سرايا مقاومة بدائية التسليح و الإعداد، إذ جل هذه السرايا عبارة عن مدنيين اضطروا لحمل السلاح حينما تعرضت مدينتهم للغزو والاجتياح قبل عام من الآن تماماً في 11 مارس ا2015م ، من قبل المليشيات التي ساعدها في الاجتياح ألوية النخبة العسكرية التي كانت متمركزة في معسكرات حول المدينة و في وسطها.
فمن هذه السرايا على سبيل المثال هناك كتيبتين إحداهما كتيبة الطلاب وتضم في صفوفها طلاب جامعات تعز من مختلف الكليات الإنسانية والعلمية من أطباء ومهندسين وصيادلة و محاسبين و فنيين و غيرهم الكثير عدا عن بعض طلاب المدارس الثانوية في المدنية الذين توقفوا عن الدراسة وانخرطوا في قتال المليشيات دفاعاً عن أنفسهم و مدينتهم.
كل ما يملكوه هؤلاء المقاتلين هي أسلحة شخصية تم شراءها أو استئجارها من قبل هؤلاء الطلاب أو أولياء أمورهم، وكان في حوزة هذه المقاومة دبابة واحدة و عدة أطقم تم الاستيلاء عليها حينما تم السيطرة على مبنى المحافظة وبعض المرافق الحكومية قبل خمسة أشهر من الآن، وهي الدبابة الوحيدة في صفوف الثوار والتي أطلقوا عليها بالمبروكة تيمناً بها.
إلى جانب هذه السرايا الطلابية هناك لواء ما يسمى بلواء الصعاليك وهو الأخر جل منتسيبيه من شباب المدينة الذين تخرجوا من الجامعات و بعضهم عاطل عن العمل منذ تخرجه قبل سنوات، عدا عن بعض شباب ثورة 11 فبراير وغيرهم من مدنيي وسكان المدينة، الذين رأوا أن لا مجال أمامهم سوى الانخراط في المقاومة دفاعاً عن أنفسهم و مدينتهم.
ومن أهم مقاتلي هذه المعركة هي كتيبة المصورين كما أسميها أنا هنا وهم من الناشطين على شبكات التواصل الاجتماعي ومن شباب ثورة فبراير الذين تخرجوا ودرسوا في ساحات الثورة والتغيير على مدى خمسة أعوام في ساحة هذه المدينة التي لم ترفع ساحاتها كغيرها من المدن الأخرى، وهم شباب يمتلكون من الوعي والعزيمة و الإصرار والتحدي ما مثل وقوداً للمعركة التي لا تزال مستمرة حتى اللحظة .
وللتاريخ أقولها كانت هذه المعركة أو الحرب كلها المفروضة على أبناء هذه المدينة و أريافها بمثابة دورة أكاديمية عسكرية على أرض الميدان تعلم فيها أبناء هذ المدينة والمحافظة الكثير من فنون القتال التي لم يألفوها ولم يفكروا يومأً أنهم سيضطرون لخوضها أو تعلمها، بالنظر إلى الطابع المديني للناس هنا في هذه المحافظة و انخراطهم القليل جداً في السلك العسكري لأسباب عدة في مقدمتها سياسية كحالة الاقصاء والتهميش التي يعانيها من ينخرط منهم في الجيش وخاصة بعد أحداث أغسطس 1968م و يونيو 1979م التي تعرضوا جرائها للإقصاء والتهميش طويلاً.
لكن هذه الحرب التي خاضتها المدينة وأبنائها دفاعا عن أنفسهم ساهمت و من حيث لم يكن يتوقع أحد في إعادة الاعتبار لكثير من الأشياء التي كان يغفلها أبناء هذه المدينة و في مقدمتها تشكيل ألوية عسكرية كنواة للجيش الوطني الذي بدأ يتشكل بفعل تماسك بعض القيادات العسكرية من أبناء هذه المحافظة الذين صمدوا حينما تخلى الجميع عن شرفهم العسكري و دانوا بالولاء للمليشيات الانقلابية ، و في مقدمة هؤلاء القادة عدنان الحمادي ويوسف الشراجي وصادق سرحان وعبد الرحمن الشمساني وغيرهم الكثير من القادة الذين ثبتوا وصمدوا وعملوا على لملمت ما تبقى من أفراد الجيش السابق وإعادة تشكيلهم في إطار جيش وطني جديد.
عدا عن هذا فقد أنتجت هذه الحرب عددا من القادة الميدانيين والذين كانوا عبارة من مدنيين في وظائفهم المدنية إما مدرسيين أو موظفيين حكوميين كقائد الجبهة الغربية الأستاذ عبدة حمود الصغير أو قائد لواء الصعاليك الحسين بن علي أو لواء الحسم عدنان رزيق وغيرهم الكثير من القادة الذين سيسجل التاريخ أنهم سطروا واحدة من أروع الملاحم البطولية في الحروب العسكرية.
المعركة في تعز لا تزال مستمرة وهي معركة كبرى بكل المقاييس العسكرية بالنظر إلى موقع المحافظة المطل على أهم المضايق البحرية في العالم وهو مضيق باب المندب عدا عن رمزية هذه المحافظة ومكانتها في صلب القضية الوطنية اليمنية كاملة لروح الدولة والنظام والقانون، عدا عن رمي إيران لكامل ثقلها المليشوي في معركة تعز من خلال جماعة الحوثي أو حتى جماعة الرئيس المخلوع صالح.
التحولات الكبيرة في المواقف السياسية التي شهدناها خلال اليومين الماضين سواء من قبل جماعة الحوثي التي هرولت إلى المملكة العربية السعودية أو من قبل قوى دولية كبرى كروسيا وقرارها بسحب قواتها من سوريا لا يخلوا أيضاً من احتمالات الحسابات السياسية والعسكرية لتداعيات معركة تعز التي ستحدد على ضوئها الكثير من المواقف والتوجهات للمنطقة كلها خلال، باعتبارها معركة ذات أبعاد متعددة محليا و أقليمياً ودولياً.