الأرشيف

شكرا للبرد

الأرشيف
الجمعة ، ٠٩ يناير ٢٠١٥ الساعة ٠٥:٢٣ مساءً

عادل الأحمدي


قد يتساءل المتابع للشأن اليمني عن سر الهدوء النسبي في الأسابيع الأخيرة، للمواجهات المسلحة التي لم تهدأ طوال العام (من دون الحديث عن التفجير الإجرامي في كلية الشرطة بصنعاء). ولعل السبب في ذلك يكمن في البرد، الذي حبس المسلّحين في البيوت، وحقن الكثير من الدماء. باتت حوادث الموت المجاني في اليمن طيلة 2014، مجرد أرقام يومية في عناوين الصحف، وبنسبة أقلّ كارثية من سورية والعراق، لكنها تعتبر معدّلاً قياسياً في بلد لا يزال يُعرف لدى محبيه بأنه "اليمن السعيد". تعدّدت أسباب الموت اليمني في العام الذي انقضى، بين اغتيالات وحروب وتفجيرات ومنازعات وحوادث سير، وتأتي سموم المبيدات لأغصان القات التي يدمنها الكثير من اليمنيين، لتنضم إلى قائمة الفتك، موفرة لضحاياها موتاً بطيئاً يُقيّد ضد مجهول.

المهم أن برد الأسابيع الأخيرة قلّص بشكل ملحوظ من فرص الاحتراب، خصوصا في مناطق شمال الشمال، وإن ظلت منطقة رداع في محافظة البيضاء، رغم برودتها، ساحة للموت في مواجهات الحوثيين والقاعدة، إلا أن الحروب في صنعاء وما جاورها، هدأت، ونابت عنها مواجهات "الفيسبوك" التي يسقط فيها ضحايا، ولكن من دون دماء أو إزهاق أرواح.

واللافت أن دورة الحروب في اليمن غالباً ما تتم في غير موسم البرد، لذا يُقال "حرب صيف 94، حرب صيف 2004، وحروب صيف 2014"، والسبب في ذلك لا يعود لكون البرد اليمني عنيفاً وضارياً، بل هو في الحقيقة، أقلّ بكثير من صقيع عمّان والرياض، ولكن السرّ، في تقديري، يعود إلى كون اليمنيّ لا يحتاط للبرد كما ينبغي.

يشكو لك الكثيرون هنا، من البرد، وتراهم ينتعلون أحذية بلا جوارب، ولا يرتدون أصوافا، أو أياً من الدروع اللازمة لمقاومة نزلاته العنيفة، أي أن ثقافة مقاومة الشتاء تكاد تكون منعدمة يمنياً، ومحصورة في كثير من الأحيان، على كبار السن، والعائدين من الدراسة في مدن الثلج. ما يدفع الناس إلى حالة تشبه إلى حد ما، حظر التجوال الليلي والتحصّن في البيوت كملاذ أخير. شكراً للبرد؛ لأنه قلّل من حوادث الموت، وشكراً له أيضاً؛ لأنه دفع حكومة خالد بحّاح إلى الانتقال إلى عدن الدافئة، والانعقاد هناك، مُجنِّبة أهالي صنعاء الشعور بالألم إزاء رؤيتهم لها عاجزةً عن فعل شيء أمام تغوّل المليشيا وتدخّلها في كل شاردة وواردة.

 أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)
أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)