الأرشيف

المشهد السياسي الجنوبي إلى أين(3)

الأرشيف
الخميس ، ٠٨ يناير ٢٠١٥ الساعة ١١:١٨ مساءً

عيدروس النقيب


إن الجنوب الجديد ليس بالضرورة أن يكون نسخة من تجربة اتحاد الجنوب العربي فهذه التجربة ارتبطت بمرحلة تاريخية معينة لها شروطها وتعقيداتها وتحدياتها، وشروط وتحديات وتعقيدات اليوم تختلف كليا عن مرحلة قيام اتحاد الجنوب العربي، ولعل أهم هذه الظروف والتحديات هو الوجود الاستعماري وما اقترن به من اصطفافات سياسية وأنظمة حكم سلاطينية دخلت معه في معاهدات حماية وما اقتضى كل ذلك من متطلبات نضالية وفرز للقوى الاجتماعية والسياسية، والجنوب الجديد كذلك لا يمكن أن يكون تكرارا لتجربة جمهورية اليمن الديمقراطية، فلهذه التجربة أيضا ظروفها وتعقيداتها وتحدياتها، وهذه الظروف والتعقيدات والتحديات التي قامت عليها جمهورية اليمن الديمقراطية قد تغيرت كثيرا وهو ما يستدعي بالضرورة تغيير شكل نظام الحكم والنهج السياسي والتنظيم السياسي والسياسات الاقتصادية للمجتمع، لكن ما يمكن أخذه من هاتين المرحلتين هو فقط ما يصلح لزمننا وشروط تطوره ومتطلبات العصر الذي نعيشه.

إنني أفهم استعادة الدولة على إنه فض الشراكة الفاشلة مع الجمهورية العربية اليمنية والعودة إلى ما قبل 1990م للشروع في تأسيس النظام السياسي الجديد الذي يسعى إليه الجنوبيون، وليس استعادة النهج السياسي والدستور والنظام القانوني والتشريعي لما قبل 1990م في الجنوب لأن ذلك أصبح من الماضي ولا يمكن العودة إليه، لكن أيضا لا يمكن شطبه من كتاب تاريخ الجنوب أو الاستغناء عما يمكن أن ينفع المرحلة الراهنة من هاتين التجربتين .

يقول الكثيرون من  الناشدين المجتهدين السياسيين الجنوبيين، "لسنا يمنيين، نحن جنوب عربي" وبالتالي لا دخل لنا بجمهورية اليمن الديمقراطية، هذ القول هو تعبير عاطفي يقوم على كراهية مفردة اليمن، اعتقادا بأن كل ما لحق بالجنوب من ويلات سببه انتمائه إلى اليمن، وهو كلام لا قيمة له في السياسة ولا في العلم ولا في القانون الدولي ولا حتى المحلي.

لقد قامت وحدة عام 1990م الفاشلة، المستعجلة، المرتجلة، العشوائية (وأي صفات سلبية أخرى يمكن نعتها بها) بين دولتين عضوين في الأمم المتحدة والجامعة العربية والمؤتمر الإسلامي والعديد من المنظمات الدولية والإقليمية والقارية، هاتان الدولتان هما الجمهورية العربية اليمنية، وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، ولسنا بحاجة إلى الإشارة إلى ما تعرض له هذا المشروع الوحدوي من غدر وحرب وتدمير واستباحة، وبالتالي فإن التحرر من هذا الوضع المعوج ينبغي أن يبدأ بفض الشراكة المنتهية والعودة إلى ما قبل 1990م لأن فك الارتباط باسم الجنوب العربي يجعلنا كالذي دخل شراكة مع شريك له باسم أحمد ويريد أن يخرج منها باسم ثابت، إن المحكمة لن تعترف بثابت لأنه اسم لا وجود له في وثائق الشراكة ولا في الاتفاقيات الموقع بين طرفيها، وبالتالي فإن الخروج من الوحدة الفاشلة الموءودة لن يكون إلا باسم الشريك الذي وقع هذه الوثائق.

     *      *      *

هناك حملة شعواء منظمة يقوم بها فريق من المتحاملين على ثورة 14 أكتوبر وثوارها تحاول أن تصور للناس أن كل مشاكل الجنوب تكمن في تسميته بجنوب اليمن، وهذه الحملة للأسف الشديد نجحت في غسل أدمغة الكثير من الشباب الذين لم يطلعوا على الكثير من تفاصيل ثورة 14 أكتوبر، ولن أخوض في الكثير من المقولات التي تتعامل بخفة وسطحية مع قضية معقدة بحجم القضية الجنوبية مثل القول أننا لسنا يمنيين، ويعتقد القائلون بذلك أن هذا القول هو من سينقذ الجنوب من ويلات الوحدة الفاشلة، ويذهب البعض في السطحية بعيدا إلى حد القول أن الثوار الشماليين الذين انخرطوا في ثورة 14 أكتوبر هم من خدع الثوار الجنوبيين باختيار اسم جنوب اليمن لفرض السيطرة الشمالية على الجنوب، وهو كلام بقدر ما يحوي من السطحية (والعبط) بقدر ما يمثل استخفافا بعقول من يستمع إليه أو يقرأه، وقبل هذا ازدراء لحقائق التاريخ القريب للبلد، ويتناسى هؤلاء أن من سمى جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية كان قيادة الجبهة القومية برئاسة الفقيد قحطان الشعبي وقبله كانت الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل، وجبهة تحرير جنوب اليمن المحتل, وينسى هؤلاء أو يتناسون أن العمل الوحدوي بين الدولتين بلغ أزهى عصوره في زمن الرئيسين سالمين والحمدي وهما أشرف وأفضل وأنقى رئيسين عرفهما اليمنيون.

إن الاعتقاد بأن التبرؤ من يمنية الجنوب سيمثل مفتاح الحل للقضية الجنوبية لا يعبر عن ذكاء ولا خبرة سياسية لدى القائلين به، بل عن حالة هروب من الإجابة على السؤال العويص : أي جنوب أنتم إذا كنتم لستم جنوب اليمن؟؟

أن مشكلة الجنوب لا تكمن في ما إذا كان يمنيا أو عربيا، فكلا الاسمين لا يغير في الأمر شيئا، بل إن مشكلة الجنوب تكمن في أن الوحدة التي تمت في العام 1990م كانت مرتجلة وعشوائية وغير مدروسة، وقد جاءت في الزمن الخطأ وسارت في الطريق الخطأ، ويمكن للجنوب أن يحتفظ باسم الجنوب اليمني وأن يستعيد دولته ويقيم النظام الذي يريد دونما حاجة إلى الدخول في متاهة البحث عن اسم مكلف مضبب عائم عصي على التفسير بينما يعترف له كل العالم باسم دولته التي عاش تحت علمها قرابة ربع قرن ويأتي البعض ليشطب اسمها بجرة قلم فقط لأنه لا يطيق لفظ كلمة "يمن"

وللحديث بقية دمغة تمت خلال العقدين الماضيين وعلى الأخص العقد الأخير مفادها أن مشكلة الجنوب بدأت هندما سماه قادته جنوب اليمن

برقيات:

* الأستاذ عبد الرحمن الجفري نائب رئيس جمهورية اليمن الديمقراطية، رئيس رابطة أبناء الجنوب (رأي) بعث الاسبوع الماضي برسائل إلى الأمين العام للأمم المتحدة والأمين العام للجامعة العربية، وأمين عام مجلس التعاون الخليجي، يطالب فيها بنصرة شعب "الجنوب العربي" لاستعادة دولته على حدودها التاريخية المعروفة.

* سيحيل الأمناء العامون الثلاثة الرسائل إلى المختصين للبحث عن دولة الجنوب العربي وأين كانت حدودها، لكن المختصين لن يجدوا دولة بهذا الاسم وسيبلغون الأمناء الثلاثة بالنتيجة، ولن يكون أمام الأمناء الثلاثة إلا الاعتذار للسيد الجفري عن النظر في طلبه، لا أدري كيف فات السيد الجفري هذه الجزئية المهمة؟

* يقول الإمام الشافعي عليه رحمة الله:

رأيت الــــعلم صاحبه كريمٌ       ولو ولدته آباء لـــــــــــــــئامُ

ولــيس يزال يرفـعه إلى أن       يعظم أمره القوم الــــــــكرامُ

ويتَّــــــــــبعونهُ في كل حالٍ      كراعي الضأن تتبعه الــسوامُ

فلولا العلم ما سعدت رجالٌ      ولا عرف الحلال ولا الحرامُ

 *الإشتراكي نت

 أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)
أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)