راكان الجبيحي
لم اكن اعرف امين دبوان... كان الرجل الذي تسمع اسمه في كل الازقة والاحياء.. الحارات والمدن والقرى ويهز بتقاريره الحجر والشجر والبشر .
لم اكن انا الصحفي ذات الاهتمام بذلك اعرفه عن قرب او قد سمعت له تقريراً من قبل.. بينما الاخرين الغير مهتمين يعرفون ذلك.. فقط عرفت اسمه عندما تم اعتقاله قبل سنة في صنعاء من قبل المليشيا.
الرجل الذي دخل الى قلوب الجميع.. ادخل الالم والفرحة والبشرى.. وحرك مشاعر الجميع بالجانب الايجابي والسلبي. جعل تعز مرسومة على جبين الجميع ومغروسة في قلوبهم.. دون اجتهاد يذكر.. الواقع والواقع فقط. لا تعاظم او تزايد.. او خلق احداث من العدم او امتداد حدث او صنع سيناريو بكثافة اللغة والادبيات المملة الغير مجدية لما تريد ان توصله للمتابع عكس ما يفعله بعض المراسلين المتهورين والفاقدين لبعض المهارات الضرورية.. ويزايدون في تضخيم السيناريو اكثر من الحدث نفسه.
عرفت امين عن قرب خلال هذه الاشهر الذي قضيناها معاً وسط تعز نعاني الحصار والقصف ومعارك الكر والفر ونزيف الدم وانين الجرحى .
عرفته عن قرب من خلال انسانيته وجدية اقدامه على فعل امرا ما بكل اتقان ومساعدته للجميع.. وعمله المخلص ليس للجهة التي يعمل بها بل اخلاصه لنفسه وللقضية الانسانية والتعزية والوطنية دون الاهتمام بالنازع الوظيفي او تفضيله .
كان يزرع الابتسامة التي يسعى الى انتشارها ويضعها على حالته بالواتس آب دون ان يغيرها. يزرعها بوجوه الجميع الذي بمجرد يصادفه اي احد حتى تتدحرج اللسان لتنطق بالاسم بلا شعور ويتصافح بود دون أي رفعة طبقية او انتهازية او عنصرية..
كان يصنع نفسه بجهد.. وفي تلك الاثناء كان يصنع تدريجياً اسم يمن شباب.. لا العكس .. ويساعده في صنع الاسم الاخير الاستاذ المحرر عبدالستار بجاش.. ذلك الرجل الرائع والمجتهد.. الرجل المهذب الخلوق.. رجل يعمل على مدار الساعة بلا كلل او ملل. الرجل الذي خلف الكيبورت حيث يصنع المعجزات ويوجد الاخبار مهما كانت الظروف وشحة الموارد وقلة الموظفين والمراسلين.. ويصنع شيء من لا شيء. في وقت يعدم كل شيء بسبب نقص امر ما.. او تداخل اداري هش بوظيفة العمل الصحفي .
في كل قرية وفي كل حارة ومدينة وحي اجد حديث دبوان يتناول لدى الصغار قبل الكبار .. الغير مهتمين قبل المهتمين. الغير متابعين قبل المتابعين عن اي حدث او وضع .
هذا امر معتاد. شيء روتيني ينسجه مع مرور الوقت.. وانطلاق الفرد نحو أفق ومحاور اوسع من حدود جهدك وعملك ونقل معاناة تعز للعالم .
لكن الغير معتاد.. ان اجد وعيني يشاهدان يمن شباب في احدى الاماكن العامة سواء البوفيات او المستشفيات او المقاهي او ما شابه تفتتح يمن شباب لمدة ساعات ويظهر عليها البرنامج تلو الآخر والحصاد تلو الحصاد.. والمداخلات والتقارير الجانبية وما شابه دون أي اهتمام بذلك او متابعة. وبمجرد اظهار تقرير امين دبوان وسماع صوته يتقاطرون الى امام الشاشة من كل غرفة وكذلك المرضى والممرضين والعاملين والمباشرين والزبائن وصاحب الموتور.. وغيرهم. وصوت القناة يتعالى لسماع صوت امين دبوان لا لسماع يمن شباب .
امين دبوان.. صوت الاعلام اليمني.. لا اكترث الى بقية المذيعين او المراسلين. وحده الانسان امين دبوان. وحده هو صوت اعلامنا الهّشْ.. صوت القنوات اليمنية التي تفتقد الى الاهتمام والى المتابعة والحرص على المهنة الصحفية. والنظر الابداعات الكبيرة الموسوعة لدى بلادنا .
هذه هي الحقيقة المرة الغير متوقعة. ان يصنع امين دبوان اسمه ويصنع يمن شباب لا العكس. وهذه معادلة غير مرجحة للتوازن في بلد يتمتع بمناخ الابداع وتنوعه وادبياته ومن ثم يقتتل بكثافة القنوات التي تعمل كبقالات واعلانات بالدرجة الاولى .
يا لها من عظمة ،، ويا لها من مفارقة بين رجل يجتهد ليصنع شيء في الحياة.. وقناة تكتسب لتصنع لها ضوضاء وتحاول التسلق في حبل ازدحام القنوات اليمنية الهشة والغير موضوعية ومهنية لكن لا جدوى من ذلك .!!