خيرالله خير الله
فات ايران انّها تتعاطى مع ذهنية جديدة في المملكة العربية السعودية كانت "عاصفة الحزم" افضل تعبير عنها. مثلما كانت هناك "عاصفة الحزم"، كان قرار حازم للسعودية بقطع العلاقات الديبلوماسية مع ايران، تلاه قرار لمملكة البحرين في الإتجاه نفسه.
فات ايران انّ هناك مواطنا سعوديا، وليس ايرانيا، اسمه نمر باقر النمر اعدم في ظلّ القوانين المعمول بها في المملكة. اعدم مع ستة واربعين آخرين، معظمهم من السعوديين المدانين في قضايا ارهابية مرتبطة بتنظيمي "القاعدة" و"داعش". هؤلاء كانوا في معظمهم من السنّة. لم تثر اي جهة خارجية اي ضجة من ايّ نوع كان على تنفيذ احكام الإعدام في حقّ هؤلاء السنّة بصرف النظر عن البلد الذي ينتمون اليه.
قامت القيامة ولم تقعد على المملكة العربية السعودية بسبب النمر وذلك من منطلق انّه شيعي. هل كلّ شيعي موجود على الكرة الأرضية مسؤولية ايرانية، ام هناك شيعة احرار يرفضون ان تكون مرجعيتهم ايران؟
لم يقتصر الأمر على الكلام الصادر عن "المرشد" علي خامنئي الذي توعّد القيادة السعودية بـ"انتقام الهي"، بل احرق متظاهرون ايرانيون السفارة السعودية في طهران وقنصلية المملكة في مشهد. عندما يتعلّق الأمر بان تكون ايران مسؤولة عن كلّ شيعي في العالم، لا يعود احترام للأعراف الديبلوماسية او لسيادة الدول.
ترافقت الحملة الإيرانية على السعودية مع انتقادات عراقية للمملكة صدرت عن رسميين مثل رئيس الوزراء حيدر العبادي ورجال دين من بينهم المرجع الشيعي الاعلى علي السيستاني المقيم في النجف، الذي احتفظ في الماضي بهامش يفصل بينه وبين السياسة الرسمية لإيران، ورجل الدين مقتدى الصدر. تأكّد مرّة اخرى انّ العراق صار تحت السيطرة الإيرانية لا اكثر.
كما كان متوقّعا، خرج السيّد حسن نصرالله الأمين العام لـ"حزب الله" في لبنان عن الحدّ الأدنى من الإحترام المفترض تجاه الدول الأخرى التي تربطها علاقات اكثر من ودّية بالبلد. قال في آل سعود وفي المسؤولين السعوديين كلاما اقلّ ما يمكن ان يوصف به انّه من النوع المبتذل والبذيء الذي لا يأخذ في الإعتبار العلاقات التاريخية بين بلدين عربيين ارتبطا منذ قيامهما بعلاقات خاصة انعكست خيرا على لبنان واللبنانيين.
ما لم يقله المسؤولون الإيرانيون، قاله نصرالله الذي جعل من "حزب الله" رأس حربة للسياسة الإيرانية في المنطقة، خصوصا عندما تهجّم على البحرين وعلى "عاصفة الحزم" في اليمن، كما دعم علنا نوري المالكي، رئيس الوزراء العراقي السابق، الذي لعب حتّى العام 2014 دورا اساسيا، عن طريق سياساته ذات الطابع المذهبي، في توفير حاضنة لـ"داعش". مكنت هذه الحاضنة هذا التنظيم الإرهابي من ايجاد موطئ قدم له في العراق وهو يسيطر على مدينة مهمّة مثل الموصل منذ ما يزيد على سنة ونصف سنة.
لم يأبه حسن نصرالله بمصالح لبنان واللبنانيين. لم يتوقّف لحظة ليسأل نفسه ما دخل لبنان في قضيّة داخلية سعودية. لم يسأل كم عدد اللبنانيين الذين يعملون في السعودية، وهؤلاء من كلّ الطوائف والمذاهب والمناطق. لم يسأل كم عدد العائلات التي تصلها مداخيل من السعودية ودول الخليج العربي بشكل شهري؟ هذه العائلات اللبنانية تعيش من هذه المداخيل التي تأتي من السعودية ومن دول الخليج، التي تعاديها ايران، وليس من ايّ مكان آخر.
مثل هذا النوع من الأسئلة ممنوع طرحه على نصرالله، ما دام المطلوب نشر البؤس في لبنان من جهة وعزله عم محيطه العربي من جهة اخرى. يكشف خطاب الأمين العام لـ"حزب الله" انه مطلوب ربط لبنان بايران بعيدا عن الواقع المتمثّل بان اللبنانيين، في اكثريتهم الساحقة يرفضون هذا التوجّه ويعتبرون ان التخلّص من الوصاية السورية لا يعني بالضرورة الوقوع تحت الوصاية الإيرانية وبالتالي تحت وصاية "حزب الله". ولكن ما العمل مع ميليشيا مذهبية، تابعة لإيران، تفرض نفسها على اللبنانيين بفضل سلاحها غير الشرعي متذرّعة بـ"المقاومة" و"الممانعة"؟
وصل الأمر بهذه الميليشيا المذهبية التي تمنع انتخاب رئيس للجمهورية الى المشاركة المباشرة منذ سنوات عدّة في الحرب التي يتعرّض لها الشعب السوري، وهي حرب ابادة بكلّ معنى الكلمة ذات خلفية مذهبية ولا شيء آخر غير ذلك. كذلك وصل الأمر بنصرالله الى التحرّش بنيجيريا، حيث جالية لبنانية كبيرة، دفاعا عن مجموعة شيعية نشأت حديثا في هذا البلد بمبادرة من الحزب ومن ايران.
لم تأخذ ايران في الحسبان انّها تتعاطى مع مملكة مختلفة ترفض ايّ نوع من التطاول عليها. السعودية، في هذه الأيام، مستعدة للردّ بقوّة على كلّ من تسوّل له نفسه الافتئات على سيادتها. ترفض السعودية بكل بساطة ان يكون الرابط المذهبي فوق الرابط الوطني. السعودي سعودي قبل ان يكون سنّيا او شيعيا. مرجعية السعودي هي الدولة السعودية وليس ايران لمجرّد انّ هذا المواطن السعودي شيعي.
سبق لـ"حزب الله" ان تجاهل وجود حدود دولية للبنان. تدخّل بناء على طلب ايراني في الحرب التي يتعرّض لها الشعب السوري. جلب الويلات على لبنان بعدما وضع الرابط المذهبي فوق كلّ ما عداه، اي فوق السيادة اللبنانية.
من الواضح انّ ايران اعتقدت انّ تجربة "حزب الله" في سوريا يمكن ان تتكرر في مكان آخر وان الرابط المذهبي الذي يجعل منها مرجعية لكلّ شيعي في العالم صار هو القاعدة. نسيت ان هناك من هو على استعداد للتصدي لهذه الظاهرة المرضية التي يرفضها الشيعة العرب في معظمهم، خصوصا قسم لا بأس به من الشيعة اللبنانيين الأحرار اوّلا واخيرا، من الذين يرفضون ان يكونوا مجرّد جنود لدى ايران ولدى "الوليّ الفقيه"، كما حال حسن نصرالله.
بقطعها العلاقات الديبلوماسية مع طهران، رسمت الرياض حدودا جديدة لهذه العلاقة. هذه الحدود هي القانون الدولي بديلا من القانون الذي وضعته ايران والقائم على الإستقواء على دول المنطقة، خصوصا دول الخليج العربي. ما شهدناه هو تابع لـ"عاصفة الحزم". من كان يتصوّر ان مجموعة من الدول العربية ستشكل، قبل نحو تسعة اشهر، تحالفا عسكريا لمنع ايران من وضع يدها على اليمن؟
لم تفهم ايران ماذا تعني "عاصفة الحزم"؟ لعلّها ستبدأ بعد الرد السعودي على ما تعرّضت له سفارة المملكة في طهران وقنصليتها في مشهد في استيعاب ان هناك قيادة سعودية جديدة، على رأسها الملك سلمان بن عبدالعزيز، تمتلك ما يكفي من الجرأة لتأكيد الدور الإقليمي للمملكة بعيدا عن اي نوع من المزايدات والشعارات البراقة التي لا تعني شيئا في معظم الأحيان.
جاء تأكيد هذا الدور بالأفعال وليس بمجرّد الكلام. هل تعيد ايران حساباتها وتعيد النظر في شعاراتها التي لم تعد تخيف احدا بعدما وجد من يكشفها على حقيقتها؟
ميدل ايست اونلاين