عدنان كريمة
استعادة الشرعية وإعادة بناء اليمن، وجهان لعملة واحدة. لذلك وضعت قمة الرياض الخليجية التي عقدت في العاشر من الشهر الجاري قضية اليمن في طليعة أولوياتها، ودعت في اختتام اجتماعاتها الى الإعداد لعقد مؤتمر دولي يخصص لإعادة إعمار هذا البلد، ووضع برنامج لإنقاذ اقتصاده الذي أصبح على وشك الانهيار الكامل، وتسهيل اندماجه مع الاقتصاد الخليجي. وأكدت حرصها على تحقيق الأمن والاستقرار تحت قيادة حكومته الشرعية، ومشددة على دعم الحل السياسي وفقاً للمبادرة الخليجية، ومخرجات الحوار الوطني الشامل، وقرار مجلس الأمن الرقم 2216، ليتمكن اليمن من تجاوز أزمته ويستعيد مسيرته نحو البناء والتنمية.
واذا كان بعض الدراسات قدر كلفة إعادة اعمار اليمن، وهو من أفقر بلدان الشرق الأوسط، بنحو عشرة بلايين دولار في حدها الأدنى، فإن الناطق باسم الحكومة اليمنية راجح بادي، حدد كلفة الحاجات العاجلة بما لا يقل عن 22 بليون دولار، لإعادة إعمار البنية التحتية والعودة للاستقرار.
وتشير الأمم المتحدة الى ان 80 في المئة من سكان اليمن البالغ عددهم نحو 24 مليوناً، تأثروا بالحرب وهم بحاجة للمساعدات العاجلة، اي ان أربعة من كل خمسة يمنيين يعتمدون على المساعدات الانسانية الخارجية. لذلك من المقرر تشكيل لجنة عليا للاشراف على تنفيذ وثيقة حكومية تتضمن اعداد رؤية استراتيجية للعمل الإغاثي والتنموي في محافظات الجمهورية كافة وبالتنسيق مع «مركز الملك سلمان» العالمي للاغاثة والأعمال الانسانية، والهلال الأحمر الإماراتي والقطري، ومنظمات الإغاثة الكويتية والبحرينية.
لا شك في أن الارتباط الوثيق بين الكارثة الأمنية والكارثة الاقتصادية اللتين يعاني منهما الشعب اليمني، يؤكد الضرورة الملحة لإيجاد الحلول المناسبة للكارثتين معاً وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وإعادة تطبيع الأوضاع الأمنية والاقتصادية، مع التركيز على مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل، وتطبيقها على الأرض بالتعاون مع دول مجلس التعاون والأمم المتحدة، اضافة الى الدول الداعمة لاقتصاد اليمن، خصوصاً ان معظم الدراسات اليمنية والعربية والدولية أكد على مر التاريخ على أن أي محاولات للانفصال بين الشمال والجنوب، او أي نظام فيديرالي سواء كان بين ثلاثة أقاليم او ستة أقاليم، لا يمكن ان تنجح اقتصادياً من دون سلطة مركزية موحدة لليمن وقادرة على ادارة موارده من نفط ومعادن، ومساعدات خارجية اقليمية ودولية لا غنى عنها، من أجل النهوض الاقتصادي وتحقيق التوزيع العادل بين كل المناطق والمحافظات.
يعتمد الاقتصاد اليمني منذ القدم على الزراعة، وخلال عهد المتوكلية في النصف الأول من القرن العشرين، حرص آل حميد الدين على حماية بلادهم من الاطماع الخارجية وتبنوا سياسة انعزالية، لذلك سيطر الأئمة على أراض واسعة ووزعوها على المقربين منهم وقيادات جيوشهم القبلية، وكان الاقتصاد يقوم بالسيطرة على الأراضي الزراعية التي أصبحت مصدر القوة الرئيس للطبقات الحاكمة وحكمها الاقطاعي، وهي ممارسة استمرت بعد سقوط المملكة في الشمال عام 1962 وقيام الجمهورية التي اعتمدت اعتماداً كلياً على التمويل والدعم الخارجي، العربي والدولي.
أما دولة الجنوب، فلم تكن أفضل، حيث كان للسلطنات والمشيخات تاريخاً اقتصادياً مختلفاً، وكانت حضرموت تعتمد في شكل كبير على التجارة مع الهند وجنوب شرقي آسيا وشرق أفريقيا. ولا شك في ان تجربة الحزب الاشتراكي السلبية أزالت الأعراف والتقاليد الاقتصادية التي كانت قائمة قبل عام 1967، واستمرت بدورها بالاعتماد على مساعدات خارجية وفق تطور مواقفها السياسية اليسارية.
وبعد قيام الوحدة عام 1990، استمر اليمن في اعتمادها على الدعم الخارجي، ولجأ الى صندوق النقد الدولي للقيام ببرنامج دمج هيكلي وتمويل مشاريع انمائية لمواكبة السياسات النيوليبرالية وفقاً للتعليمات الدولية.
يذكر ان اليمن منتج صغير للنفط، ويحوز على احتياطات مؤكدة تبلغ نحو ثلاثة بلايين برميل، بحسب تقديرات ادارة معلومات الطاقة الأميركية، وتشكل حصة صادرات الخام التي تحصل عليها الحكومة من تقاسم الانتاج مع الشركات الأجنبية نحو 70 في المئة من موارد الموازنة و63 في المئة من إجمالي صادرات البلاد ونحو 30 في المئة من الناتج.
ووفقاً لتقرير أصدره البنك المركزي، تراجعت العائدات النفطية عام 2014 نحو بليون دولار، لتبلغ 1.6 بليون، مقارنة بـ 2.6 بليون عام 2013، واستمر التراجع هذه السنة نتيجة احتدام الصراع الأمني وسيطرة الحوثيين والانقلابيين على معظم مؤسسات الدولة، بما فيها البنك المركزي الذي انخفض احتياطه من العملات الأجنبية الى نحو 1.7 بليون دولار مقارنة بـ 5.7 بليون في ايلول (سبتمبر) 2014 قبل اجتياح الحوثيين العاصمة صنعاء، ما أدى الى تدهور سعر صرف الريال ليصل الى نحو 280 مقابل الدولار، مقارنة بـ214 ريالاً.
سبق لليمن ان قدم للدول المانحة تقريراً عام 2012، تضمن حاجته الى 14 بليون دولار، وحدد الفجوة التمويلية المطلوبة بنحو 11.9 بليون دولار، ولكن الدول المانحة وافقت عل تعهدات قيمتها 7.8 بليون دولار نصفها تقريباً من السعودية. وعلى رغم مرور نحو ثلاث سنوات لم يلمس اليمنيون التغيير الذي ارادوه، لا سيما لجهة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وتحقيق العدالة والتنمية ومحاربة الفساد.
مع العلم انه لم يخصص سوى 3.9 بليون دولار او 49.6 في المئة، فيما بلغ ما انفق منها فقط 2.07 بليون دولار او نحو 26 في المئة، بسبب عجز الحكومة عن الانفاق وتنفيذ المشاريع في ظل تطورات سياسية وأمنية غير مستقرة.
يستدل من كل تلك التطورات ان اليمن يعاني فجوة اقتصادية كبيرة، ويحتاج بشدة الى الدعم الخارجي وخصوصاً الخليجي والدولي، ولكن لا يمكن ان يتحقق ذلك في بلد يواجه انقساماً حاداً، خصوصاً ان الاقتصاد اليمني بتركيبته البشرية وموارده وموقعه الجغرافي، هو ضد التقسيم ومع الوحدة التي تضمن استقراره وتجذب المساعدات والاستثمارات بمختلف أوجهها.
فهل يحتفل اليمنيون في 22 أيار (مايو) 2016 بذكرى مرور 26 سنة على وحدة بلادهم بشطريها الشمالي والجنوبي، مع انطلاقة التحرك العربي والدولي لإعادة اعمارها في ظل مسيرة الأمن والاستقرار والتنمية؟
* نقلا عن صحيفة " الحياة "