عبدالعزيز المجيدي
في جنيف، ستكون مفاوضات، وليس مشاورات كما تقول صيغة مضللة يتم تسويقها للعبور إلى النسخة 2 من "سيرك" الأمم المتحدة.
هناك تصعيد للعمليات الحربية في أكثر من منطقة وجبهة، بصورة تؤكد انهماك الميليشيات في مخطط يمثل امتدادا للتمرد، والرغبة في حيازة مزيد من الأراضي لتكون رقما إضافيا على طاولة المفاوضات.
هذه الطريقة تعني شيئا واحدا: على الطرفين البحث عن صيغة مقبولة للميليشيات أولا، تلبي شروطهم في وجود مؤثر وجوهري في المرحلة المقبلة.
سموها صيغة اقتسام جديدة لا تنهي الانقلاب والتمرد على الشرعية واستعادة الأسلحة الثقيلة، بل تقتسم السلطة مع الانقلابيين!
لن تكون قوة مشروعية السلطة المسنودة بشرعية دولية، هي الحاسم، بل الوزن الحقيقي على الأرض عسكريا للمتمردين.
هذا ما تقوله الوقائع على الأرض، وهذه هي الصيغة المفضلة لقوى إقليمية ودولية، وللأمم المتحدة نفسها!
تتحدث بنود المسودة المسربة لجدول أعمال جنيف 2 في بعضها عن الخطوات المقبلة التالية للمفاوضات أبرزها " الحفاظ على مؤسسات الدولة وتحسين أدائها".
علينا أن ننتظر الأسوأ من هذه النافذة ، وسيكون علينا تفسير هذا النص بأنه إشارة مركزة وجوهرية إلى " الجيش والأجهزة الأمنية" المساندة للانقلاب والمتورطة بجرائم حرب ضد اليمنيين.
تصريحات المتحدثين باسم الميليشيات، الاستباقية في هذا السياق، تشدد على أن الحلف الانقلابي لن يسمح " بالمساس بالقوات المسلحة واللجان الشعبية" !
هم يضغطون على الأرض لتثبيت ما تبقى من المكاسب أو حيازة أخرى، ليصبح وجودها المقبل ،استحقاقا تفاوضيا مقرا باتفاق، ترعاه الأمم المتحدة.
حدوث ذلك سيعني أن المجتمع الدولي يعيد هندسة المشهد اليمني، بطريقة تضمن حتما، إطلاق دورات صراع وعنف جديدة في المستقبل .
سنقع في نفس الفخ السابق وبصورة أفدح، فالجيش الطائفي واذرع صالح الأمنية التي قتلت اليمنيين ملتحمة بالميليشيات، ستستمر كقوة ، وسيتعين على التسوية إعادة إنتاجها بصيغة تمنح صالح أو أسرته دورا في المستقبل.
ستخضع البلاد مجددا لمفاصلات تقوم على ابتزاز القوة غير المشروعة، لبناء سلطة توافقية جديدة، مسنودة بمؤسسة جيش اسمية لكنها في الأصل ستمثل اذرع وأجنحة لشركاء يتربصون ببعضهم ، وفي لحظة ما ستنفجر مدوية بوجه الجميع.
تميل أطراف إقليمية ودولية إلى هذه الصيغة ،وفي ابريل الماضي بُذلت مساعي، لإنفاذ هذا التصور، بصورة تضمن دورا لصالح ونجله، والأرجح أن يكون نجله صاحب الدور القادم في الشراكة المرتقبة!
هذه الطريقة ستطيح حتما بأي أمل لبناء دولة حقيقة، ركيزتها الأساسية مؤسسة جيش وطنية. ستتغلغل العصبيات أكثر، وستزداد حالة الاستقطاب، ولن تهنا البلد حتى باستقرار هش.
كي لا نقع في شراك مغالطات، يعاد تسويقها الآن بصور مختلفة، يجب أن يقول السياسيون ومسؤولوا الحكومة الحقيقة للناس.
هل هو تفاوض أم مشاورات ؟
يشير بند في جدول الأعمال المسرب بصراحة إلى أن جنيف 2 سيكون مؤتمرا تفاوضيا بامتياز، فهو يؤكد على ضرورة أن يتمتع كل من وفدي السلطة الشرعية والحوثيين وصالح " بكامل الصلاحية للتفاوض على اتفاقات ملزمة .. ".
بعبارة حاسمة، لن يكون اللقاء المزمع، مكرسا لتنفيذ القرار الاممي ، بل تفاوضا للاحتيال عليه، سترسم ملامحه الجديدة وحدوده، القوة العسكرية على الأرض، وليس الشرعية المحلية أو الدولية.
ستحتاج السلطة الشرعية إلى مهارة في التعامل مع الأفخاخ، وإرادة حاسمة لرفض إعادة تدوير القتلة، بل وضمان ملاحقتهم . قبل ذلك عليها أن تدرك أن التسويات الترقيعية التي لا تضمن إنفاذ العدالة، وعد جديد بحرب اشد وأفظع.