يحيى ناصر
[1]
باستثناء برقية عزاء رئيس الجمهورية، فلم أسمع، ولعلي أكون مخطئا؛ أن هناك لجنة وطنية تشكلت بناء على أمره للتحقيق في جريمة المركز الثقافي في إب، وهو الأمر نفسه الذي يبدو أنه حدث مع جريمة تفجير حافلة الطالبات في رداع؛ فعلى خطورة الجريمتين وبشاعتهما فلم تجدا اهتماما كما حدث في جريمة العرضي، وطغى الاستغلال الحزبي على موجبات تحقيق العدالة وصيانة الأنفس بإقامة العدل وأوله: التحقيق النزيه لمعرفة ما حدث من قبل لجنة محايدة مشهود لها بذلك.. أو هذا على الأقل ما يفترض في بلد يحتكم للقانون! وها هي الجرائم تتوالى والمجرم هو وحده الذي يعمل على ضياع الحقيقة في أي جريمة، وهو يبدأ جريمته حريصا على إخفاء الأدلة التي تدينه، ثم يواصل إخفاء آثاره وصرف الانظار عما قد يكون موجودا في مسرح الجريمة وملابساتها! وقد قلنا سابقا إن عدم الوضوح في تحقيقات حادثة تفجير مسجد الرئاسة، وعدم الإعلان عن لجنة التحقيق، وتحول الأمر إلى فوضى صحفية وتسريبات أضر الحقيقة حتى تحول المسجد إلى مزار سياحي لمن وصوفوا بأنهم محامون ونشطاء حقوقيون! ومن ثم كان منطقيا ألا يثق أحد بأي معلومات يعلنها حزبيون (بل مرتزقة ذو باع تاريخي في التزوير) لا صفة رسمية لهم في هذا الشأن!
وفي الحالات الثلاثة المذكورة وأمثالها فإن أوضاع البلد المعروفة، وضياع أي ريحة للدولة؛ توجب وجود لجنة تحقيق محايدة، وهذه الصفة للأسف الشديد لا تتوفر اليوم في أي جهة يمنية رسمية أو غير رسمية، ولا مناص من الاستعانة بمنظمات دولية متخصصة إن أردنا معرفة الحقائق أو حتى جزءا منها.. ولأن ذلك لن يحدث لأن المجرمين لن يوافقوا على ذلك بمبررات شتى؛ فإنه يمكن القول بأسى إن دماء الضحايا ستذهب هدرا دون إدانة ودون معرفة المجرمين.. وفي هذه الحالة فإن الرئيس عبد ربه هادي يتحمل المسؤولية الأخلاقية والتاريخية أولا عن كل قطرة دم، وكل روح أزهقت في البلاد منذ تولى المسؤولية دون أن ينقص ذلك شيئا من مسؤولية المجرمين الحقيقيين أيا كانوا، وإذا لم يعرف الشعب أنه شكل لجانا محايدة جادة للتحقيق في الجريمتين فإنه فاعلا مشاركا بالإهمال والتقصير! هذا طبعا عن جرائم التفجيرات التي طالت المدنيين. أما عن الجرائم العسكرية التي طالت وحدات القوات المسلحة في عمران وصنعاء وغيرها فإنه لسوء حظه يتحمل مسؤولية مباشرة قد ينجو منها في الدنيا لكنه لن ينجو منها في الآخرة، ويكفيها أنه هو الذي حرض ودع إلى الاصطفاف الوطني قبل اكتساح صنعاء من قبل المليشيات المسلحة ثم اتضحت الحقيقة أنه لم يكن جادا ودفع بالناس إلى المواجهة وجلس هو يتكتك مع الحوثيين حتى اقحموا صنعاء واستقبله ليوقع معهم اتفاق القتل والخبالة، ويعترف لهم بحقوق الدول وليس الأحزاب السياسية، وها هو يمكّنهم من السيطرة على الدولة والمجتمع رسميا وبقرارات جمهورية واضعا معاني الشراكة الوطنية تحت أحذيته وصنادلهم!
[2]
على قدر بشاعة الجريمة التي ارتكبت في المركز الثقافي في إب، وعلى شمول الاستنكار كل أصحاب الرأي والفكر والسياسة؛ إلا أن البعض من المحسوبين على الحوثيين أصر على الترويج بفجاجة أن هناك من لم يستنكر ومن لم يدن الجريمة، وأصر على توجيه اتهامات صريحة بأن الإصلاحيين أو الإخوان هم الذين يقفون وراء الجريمة!
من سوء الحظ وبشاعة الواقع الذي نعيشه أن هؤلاء المشار إليهم لم يكونوا شرفاء فيعلنوا في نشرة أخبار قناة اليمن تلك الليلة أسماء الأحزاب والجهات اليمنية التي نددت واستنكرت الحادث ببيانات قوية، وجاءت الإشارة إليهم مجملة.. وفي المقابل حرص الخبر بعد ثوان على الإشارة الصريحة إلى التنديد الأمريكي بالجريمة؛ رغم كل ما تم الترويج إعلاميا وسياسيا له من أن القاعدة صنيعة أمريكا؛ فحصل الشيطان الأكبر على براءة فورية ومن القناة الواقعة تحت سيطرة الحوثيين حتى في فقرة الرياضة!
يذكرني هذا الأسلوب بالتعامل الشهير لإعلام النظام السابق الذي كان حريصا على تجريد المعارضة من أي موقف وطني تقفه ضد أي ظاهرة مسيئة، وأذكر على سبيل المثال كيف أثار الإعلام المؤتمري يوما الدنيا ضد بيان أصدره الإصلاح تنديدا بعملية إرهابية في السعودية مستنكرا (كما زعم) اهتمام الإصلاح بإدانة العمل الإرهابي وعدم إدانة أمثاله في اليمن! كان ذلك مثالا على استخدام المكايدات الحزبية باسم مواجهة الإرهاب عندما يسارع من بيده القوة المسلحة والإعلامية للعب بالنار في قضايا خطيرة لا تحتمل المزايدات، وعلى ذلك المنوال يبدو أن الإعلام الحوثي الحزبي أو الإعلام الرسمي الذي صار تحت هيمنتهم يسير في الاتجاه نفسه.. وعسى أن تكون النهايات.. متشابهة!
[3]
لم يبق إلا أن يصدر هادي قرارا بجعل يوم 21 سبتمبر يوما وطنيا وإجازة رسمية، ويسمح بإقامة عروض عسكرية بالمناسبة في ميدان السبعين، وحفل استقبال في الرئاسة، ويلقي (إن ظل رئيسا للجمهورية اليمنية) خطابا بالمناسبة ا ويلقيه بالنيابة عنه مستشاره الإعلامي (ليس محبوب علي بل واحدا من إعلاميي الحوثيين)!
صارت المقارنة ظالمة بين محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية في ظل الاحتلال الصهيوني وعبد ربه هادي في ظل الهيمنة الحوثية.. والظلم هنا واقع على أبي مازن فهو بالتأكيد أكثر صلاحيات من صاحبنا اليمني، ويكفيه أن بمقدوره السفر حيثما يريد وحتى إلى الأمم المتحدة ليشكو إسرائيل ويطلب بإنهاء احتلالها للضفة وغزة، وهو يندد بمجازر الصهاينة وجرائمهم عندما يريد ذلك وببيانات قوية!
هنيئا للشعب الفلسطيني تمتعه بالسلطة على علاتها، وعقبى لليمنيين أن ينعموا بما ينعم به إخوانهم في فلسطين!
إذا أراد هادي أن يحفظ لنفسه شيئا معتبرا فعليه أن يظهر في التلفاز مباشرة ويصارح الشعب بحقيقة الاتفاقات السرية بينه وبين الحوثيين، وأي جهة أخرى يمنية وغير يمنية؛ حول ترتيبات الحاضر والمستقبل فهذا أفضل من تركه الامر مثل مسلسلات الرعب، ويحبس الأنفاس ويجمد الدماء في أجساد اليمنيين بينما بإمكانه أن يكشف كل شيء، ولن يكون أسوأ مما نحن فيه.. على الأقل سيعرف الشعب رأسه من رجليه! أما إذا كان الأمر مجرد انتقام فالشعب لا يستحق ذلك من الرئيس الذي انتخبه بصدق ظانا منه أنه منقذ وسيؤدي واجبه بأمانة!
الشعب لا يستحق كل هذا الانتقام من هادي ولو كان الأمر نكاية بخصومه؛ فالشعب لم يصنع الحوثيين .. ولا احتضن القاعدة.. ولا كان أحد نائبا لرئيس الجمهورية وأحد أعمدة نظام صالح إلا هادي.. فلم الانتقام من الشعب؟